مهارات «تبويس اللحى» لا تصنع اقتصاداً مستقرّاً.. هل نجح المفاوض التجاري السوري بانتزاع مكاسب اقتصادية أم أخفق حيث ممنوع الفشل ؟
تشرين – منال صافي:
براعة التاجر السوري في مجال البيع والشراء، والمشهود لها عبر التاريخ، والصفقات التي كان يعقدها من خلال خطب الود والكلام المنمّق (حبة المسك، وبعملك سكرة ) لم تعد تجدي نفعاً ، فعقد الصفقات التجارية والوصول إلى اتفاقات تترجم على أرض الواقع يحتاجان اليوم مفاوضاً ملمّاً بعلوم التفاوض التجاري وأسسه وتكتيكه وتقنيات لإقناع الطرف الآخر، ومهما كانت العلاقات متينة بين الدول لن تثمر العلاقات الاقتصادية إن لم ترتكز على مصالح اقتصادية مشتركة لدى الطرفين، فهل نمتلك مهارات التفاوض التجاري التي تحقق لنا مكاسب اقتصادية ؟ وهل لدينا مفاوضون أكفاء ؟
لا نحصل على شيء
ويرى الصناعي عاطف طيفور أن المفاوضات التجارية هي علم يدرس ولا يمكن لأي شخص لمجرد وجوده بموقع إداري أن يكون ملمّاً به، فمفاوضاتنا التجارية لا تحقق أي مكاسب اقتصادية، لأننا لا نملك إحصائية دقيقة عن احتياجاتنا زراعياً وصناعياً وتجارياً، فنطلب الحد الأعلى من كل شيء، لذلك لا نحصل على شيء، ونحن بمفاوضاتنا مع الآخرين (داخلياً وخارجياً) نضع شروطاً صارمة مع إننا الطرف المحتاج، ولا نملك المرونة ولا نمنح تسهيلات للحصول على ما نريد، ومادام التعامل بفوقية مع المستثمر ورجل الأعمال مستمرّاً فلن يجدي ذلك نفعاً.
الكردي : علينا الخروج من عقلية “البازار” وعدم الخلط بين مهارات البيع المتوارثة و التفاوض التجاري المتطوّر
وأضاف: إنّ أساس أي مفاوضات هو وجود مصلحة مشتركة بين الأطراف المتفاوضة، فربما يوقّع معنا اتفاقاً من باب “المجاملة السياسية ” لكنه لا ينفذه ويذهب للمكان الذي يحقّق له مصلحته ومصلحة بلاده، فإذا لم نقدّم حوافز وإغراءات سينفر الطرف الآخر .
حافز اقتصادي
ورداً على سؤال بشأن المحفّزات التي نملكها، ويمكن تقديمها في ظل ظروف الحصار الذي نعانيه، أجاب: إنّ كل الدول اليوم تعاني أزمات، وخاصة في مجال الإنتاج الزراعي، وعلينا استغلال هذا الأمر، وخاصة بيننا وبين الدول المجاورة، فيمكن تبادل الإنتاج الزراعي مع العراق مقابل الحصول على المشتقات النفطية، ومع الأردن مقابل فائض الكهرباء الموجود عندها، ومع لبنان التي تتمتع بانفتاح اقتصادي مقابل الحصول على سلع وبضائع لا يمكن لنا إدخالها بسبب الحظر المفروض علينا .
وركّز على أن الحافز السياسي أساسه حافز اقتصادي، وعلى ضرورة الاهتمام بالمستثمر وعدم فرض شروط صارمة عليه، وبدلاً من أن يلاحقنا لإتمام مشروعه علينا نحن ملاحقته وعدم وتركه وحيداً، وتذليل كل العراقيل التي تعترضه، لأن عدم الاكتراث سيؤثر في سمعتنا، فالمستثمر والتاجر ينقلان تجربتهما في هذه البلاد .
تشريعات ضارة
من جهته أكد عضو غرفة التجارة السورية محمد حلاق أن التاجر والمستورد السوري لديهما قدرات عالية للتفاوض وإمكانات كبيرة وسمعة جيدة صنعاها عبر التاريخ من خلال الالتزام بالعقود ووفائهما بالتزاماتهما و وعودهما، ونسبة من أضرّ بهذه السمعة من التجار والمستوردين لا تتجاوز 2% ، مضيفاً: إنّ من أضرّ بهذه السمعة أيضاً هي التشريعات الحكومية التي كانت تصدر من دون دراسة منعكساتها. ففي العام 2013 صدر قرار حكومي بمنع استيراد المواد التي يزيد رسمها الجمركي على 5%، ما أدى إلى إرباك بالعلاقات بين المستوردين والشركات المورّدة، تبع ذلك عدة قرارات بين سماح ومنع وحصر لإجازات الاستيراد، كل ذلك أدى إلى عدم التزام المستورد بالتزاماته وتزعزعت مصداقيته .
طيفور: أساس المفاوضات المصلحة المشتركة، وإن لم يجدها الطرف الآخر سيوقّع معنا من باب “المجاملة” وينفذ مع غيرنا
وأوضح حلاق أنّ الحكومة ليست مفاوضاً ناجحاً، ومن غير المنطقي أن تقوم بدور التاجر بسبب البيروقراطية والتشريعات التي لا تسمح لها بالمرونة في الصفقات التجارية، يجب أن يُترك هذا الأمر للتجار وأن تلتفت لتأمين وتحسين الخدمات للمواطنين، وعليها فقط أن تلعب دور المراقب والسعي لتحقيق التنافسية بين التجار، منوهاً بأن زيادة الأسعار ليست ناجمة عن المستورد والتاجر بل بسبب نسبة التأمينات المرتفعة، المفروضة على العقد والتي تصل إلى 10% من قيمته وارتفاع سعر الصرف والرسوم الجمركية.
قدرات تفاوضية
بدوره أنس الكردي، الخبير في مجال التفاوض التجاري الدولي، تحدّث عن شهرة السوريين عبر التاريخ وبراعتهم في مجال البيع والشراء وبناء العلاقات التجارية المتميزة ، وعن دورهم التجاري منذ أيام العثمانيين، حيث كانوا أحد أهم أقطاب التجارة في تلك الحقبة، نظراً للدماثة التي يتمتع بها التاجر السوري خلال عمليات التفاوض ومصداقية التعامل في تنفيذ الاتفاق الموروثة عن تقاليدهم، وأنشئت أول غرفة تجارة بالمشرق في حلب، وتعززت الأهمية التجارية لبلادنا قبل الأزمة بما يقارب /40/ عاماً .
حلاق: الحكومة ليست مفاوضاً تجارياً ناجحاً، لأن البيروقراطية والتشريعات الصارمة تعرقل المرونة في الصفقات التجارية
وأكد ضرورة الخروج اليوم من هذا المفهوم التقليدي للتفاوض والمتمثل بعقلية ” البازار” في مفاوضاتنا التجارية، والانتقال إلى المفهوم المتطور، وعدم الخلط بين مهارات البيع والتفاوض التجاري ، فهو علم له أسس وتكتيكات واستراتيجيات معينة لا يتقنها الأغلبية (مؤسسات، أفراداً)، مشدداً على أن قوة التفاوض هي جزء من قوة الشركات والدول، لتأمين متطلبات المعيشة لمواطنيهم.
وأشار الكردي إلى أنه رغم هذه الانتقادات، هناك رجال أعمال استطاعوا خلال الأزمة إدارة المفاوضات التجارية بكفاءة، واستثمار العلاقات السياسية الجيدة مع الدول الصديقة لمصلحة استمرار ديمومة تأمين المتطلبات المعيشية في ظروف الحصار الصعبة، وإلى وجود نماذج تفاوضية لرجال أعمال وتجار سوريين، يجب تدوينها وتدريسها للمهتمين بعلم التفاوض، نظراً لبراعتهم في إدارة الجلسات التفاوضية.
مبيناً أنه في بعض الحالات يؤثر ضعف القدرة الشرائية سلباً في المفاوضات، فالطرف الآخر لديه مصالح ومخاوف على مواطنيه و يسعى لتحقيق مصالحهم والحلفاء أيضاً تطولهم عقوبات ولديهم أزمات اقتصادية، وكل ذلك يتطلب قدراتٍ تفاوضية عالية وتدريباً على تطوير القدرات التفاوضية، وخاصة لدى المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة لتحقيق مكاسب اقتصادية.