المتابع للظروف التي مرت بها بلدنا منذ بداية الحرب الكونية، وما رافقها من حصار اقتصادي استهدف كل مكونات الدولة، وما فرضه من حالة تخريب وتدمير لكل أسباب القوة التي عززت لعقود مضت قوة الاقتصاد الوطني من جهة، وتحسين مستوى معيشة المواطن من جهة أخرى، يرى حجم الخطورة والدمار والتخريب على المستويات كافة، والمساوئ التي تركها على القطاعات الاقتصادية والإدارية وغيرها..
الأمر الذي فرض على الدولة وأجهزتها تحدياً كبيراً لإعادة ترتيب أولويات إعادة الإعمار وبناء ما خٌرب على كل المستويات في مقدمتها الجهاز الإداري الذي يقود عملية البناء, وخاصة أنه هناك فرصة كبيرة لاستثمار ما لدينا من خبرات وكفاءات تستطيع استثمار مقدرات المؤسسات الحكومية، التي مازالت محافظة على قوتها الاقتصادية والإدارية, وتمتلك من الكفاءات والمؤهلات العلمية بناء حالة تجديد مستمرة, “نفك” من خلالها عقدة الاعتماد على الخبرات الأجنبية، التي شكلت خلال سنوات مضت، عقدة كبيرة لدى كفاءاتنا الوطنية، وفق اعتبارات تعطي ميزات يرى فيها الخبير الوطني إجحافاً بحقه، وعدم إعطائه الفرصة الكافية لإثبات نجاحاته التي يحققها في جميع المجالات..
وهنا لا نريد أن نتجاهل ظروف الحرب وما نجم عنها من استهداف للمقدرات والإمكانات البشرية وخسارة معظمها، ما أدى إلى نقص كبير فيها من جهة, ونقص الموارد من جهة أخرى, لكن هذا لا يمنع إمكانية الاستفادة من المتوافر منها، واتباع سياسة الاعتماد على الذات في مواجهة المشكلات المتلاحقة, وفرض حالة استثمارية لما تبقى من موارد الدولة، وخاصة أنه ما زال لدينا المئات من المؤسسات الحكومية الاقتصادي منها والخدمي، يمكن البناء عليها والانطلاق نحو عملية تغيير, قوامها استثمار “إدارة الممكن” من الخبرات والإدارات الكفؤءة في المؤسسات الاقتصادية وغيرها، وذلك من خلال مراجعة تلك المؤسسات وإجراء عمليات تقييم علمية واقعية “تتصف بالنزاهة” وتحديد إمكانات كل مكون إداري، وكفاءة يمكن الاعتماد عليها لمعالجة الواقع, وفرض حالة الاستثمار الأمثل لمكونات البنية التحتية والخدمية المتوافرة لدى المؤسسات الاقتصادية والخدمية..
وبالتالي حتى ننجح في تحقيق ذلك، لا بد من مراجعة شاملة لكل المواقع الحكومية وخاصة الاقتصادي منها، لتحديد آلية العمل التي تكفل إيجاد الحلول للمشكلات الإدارية والإنتاجية, وتحديد الإدارات الكفوءة القادرة على إدارة القطاع الاقتصادي واستثمار إمكاناته، والأهم العمل على استبعاد الإدارات المتسلقة على كتف القطاع العام، مستغلة الظروف وانتشار الفساد الإداري إلى حدٍ كبير في الوظيفة الإدارية، الأمر الذي يعيق عملية اختيار الإداري القادر على الاستثمار وإعطاء النتائج الأفضل..
والسؤال هنا هل ننتظر طويلاً للتخلص من هذا الترتيب الإداري المشبوه..؟
وهل تستطيع “التنمية الجديدة” فرض حالة تغيير جديدة في العملية الإدارية عبر مسارها الزمني، واختيار الإدارة المطلوبة..؟
أم أن الأمر يؤدي إلى إفراغ القطاع الحكومي من خبراته ومكوناته الإدارية والتي معظمها في قمة العطاء..؟
هذا التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة وأجهزتها إضافة لما ذكرناه, وقصة نجاح “التنمية الجديدة” تحكيها نتائج قادمات الأيام..
Issa.samy68@gmail.com
سامي عيسى
165 المشاركات