الأمراض السلوكية 

يُرجع الأطباء نسبة كبيرة من الأمراض التي نعاني منها إلى أسباب سلوكية مرتبطة بعادات وتقاليد نشأنا عليها واعتمدناها سلوكاً لا نعرف غيره كأمر صحيح رغم آثاره السلبية على صحتنا.

فإذا طبقنا هذا الكلام على واقعنا الاقتصادي والمعيشي نجد أن الجانب الأكبر من معاناتنا يعود إلى سلوكيات نمارسها في جهاتنا العامة والخاصة وفي أسرنا تعود إلى عقود طويلة وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من ممارساتنا الإدارية والإقتصادية لا نفكر في تغييرها رغم التطور في علوم وأساليب الإدارة والإنتاج  وأساليب معيشة أسرنا.

وعلى سبيل المثال لا يمكن لأحد أن يقلل من أهمية وجود القطاع العام في حياة الدول اليوم في المجالات الاستراتيجية لا سيما في قطاعات الطاقة والغذاء والصحة، لكن ضرورته لا تعني أبداً الحفاظ على أساليب الإنتاج والإدارة التي كانت سائدة منذ ما يقارب القرن فوجود القطاع العام يعني أن يكون قوياً قادراً على القيام بدوره الاجتماعي والاقتصادي، وهذا يتطلب مجاراة التطورات الحاصلة في الميادين التي ينشط ضمنها، وهذا ما يعاني منه قطاعنا العام حالياً بعد تعدد المحاولات والمؤتمرات حول إصلاحه وتحديثه وصدور تشريعات كثيرة في هذا الإطار لكن عقلية إدارته وعمله بقيت بلا تغييرات جوهرية، ما ترك ثغرات في بنيته وآلية عمله جعلت من منشأته بؤرة للفساد والمفسدين ومرتعاً للروتين الذي أبعده عن المنافسة وتلبية الأهداف التي أوجد في سبيل تحقيقها، فالسلوكيات المثبطة لحركته ترسخت ضمن العقول وأصبح المساس بها من المحرمات.

وعلى صعيد حياتنا الشخصية والأسرية حافظنا على سلوكيات متوارثة في طريقة التفكير والتخطيط، فالأمر السائد حالياً هو أن ندرس أبناءنا ليحصلوا على أعلى الشهادات الجامعية بغض النظر عن التطورات في سوق العمل داخلياً وعالمياً وبقي تفكيرنا محصوراً بالحصول على “الكرتونة” لتعليقها على الجدران أو للحصول على وظيفة في مؤسسة عامة أو خاصة في عصر باتت فيه ريادة الأعمال الأساس لنهضة الدول، وكذلك الأمر بالنسبة لتفصيلات حياتنا اليومية والاستمرار في سلوكيات غذائية ومعيشية أثبت العلم والواقع أنها فاشلة ومضرة بالصحة و”الجيب”.

ما يهم مما سبق أن الأطباء الذين يركزون في تشخيص الأمراض على الأعراض من دون معرفة سلوكيات مرضاهم اليومية ويصفون الأدوية لن يحققوا النتائج والشفاء الذي يحققه المتميزون منهم ويعملون على الإحاطة بكامل المعلومات اللازمة لتشخيص المرض وبعدها وصف الدواء، لذلك وحتى نحقق الشفاء من الأمراض الاقتصادية والمعيشية التي نعاني منها لا بد من وجود خبراء قادرين على التفكير خارج الصندوق والابتعاد عن الأساليب التقليدية في اتخاذ القرارات والتي تثبت يوماً بعد يوم عدم جدواها وفشلها في اجتراع الحلول، وحتى نفعل هؤلاء الخبراء يجب أن نوفر لهم الأدوات المناسبة من تشريعات وأرقام إحصائية وبيئة عمل مناسبة، والابتعاد عن عشوائية التخطيط وغياب الرقابة والمحاسبة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار