انتقاد المبدعين بعد رحيلهم حسد أم «ضيقة عين»؟!
تشرين-هدى قدور:
خسر المشهد الثقافي السوري ثلاث شخصيات خلال زمن قصير، هي رفعت عطفة وشوقي بغدادي ونذير العظمة. ورغم أن النقاد المختصين لا يختلفون على أهمية كل واحد منهم في حقله الإبداعي، لكن بعض المصطادين في الماء العكر، وعددهم قليل جداً، لم ينتبهوا سوى إلى نصوص الرثاء التي أطلقها الأصدقاء والأقرباء والمعجبون بإنتاج أولئك الراحلين، فاعترضوا على تسمية الراحل بالأيقونة، أو بأنه أحد أبواب دمشق، أو رائد الحداثة، وغير ذلك من العبارات التي تكثر في الرثاء وأثناء وداع المبدعين تقديراً لتجربتهم الطويلة في العطاء والكتابة.
لاشك في أن الهستيريا التي أصابت بعض الحسودين من تلك التسميات، غير مبررة وربما تندرج تحت باب الأمراض النفسية التي تصيب ضعاف النفوس فتجعلهم يحسدون الميت على المديح وذكر المحاسن من محبيه، فالناس أثناء الوداع ليسوا بصدد إطلاق أحكام نقدية مبنية على دراسات معمقة شاملة واحترافية، مع إقرارنا بمكانة كل مبدع ودوره الذي لا يمكن لأحد إنكاره، فالمبدع الراحل، على الأغلب يكون قد عاش حياة بسيطة ومملوءة بالصعاب كبقية الناس العاديين، وتالياً فإن حصوله على لقب «أيقونة» من المعجبين بفنه، يعدّ أمراً طبيعياً لا يستدعي غضب أحد أو حسد أحد.
اللافت في الموضوع أن من كتب منتقداً هذه التسميات المدائحية للراحلين، لم يسبق أن اعترض على مكانتهم أثناء وجودهم على قيد الحياة، ولن يختلف أحد على أحقية النقد في قول ما يراه مناسباً مادام الأمر مبنياً على القواعد العلمية والوثائق والبراهين، لكن الإجحاف في وصف الكتّاب أو التقليل من شأنهم، لا يبدو بريئاً أو بدافع نبيل، لأن من تعرّض للانتقاد من الراحلين، كان بالفعل صاحب مكانة كبرى في اختصاصه، وهذا رأي النقاد وليس مجرد ألقاب عشوائية يطلقها عامة الناس.
أن يخرج كاتب لينتقد بلؤم تجربة شوقي بغدادي صاحب التجربة الشعرية المعروفة ومؤلف الكثير من كتب الشعر، وليصورها بأنها لا تساوي شيئاً، يدل على خلل ما يعاني منه هذا المنتقد، في مقابل عشرات الصحفيين المختصين الذين كتبوا حزناً على رحيل هذا الشاعر. وقد تعرض الراحل وليد معماري في الفترة نفسها، إلى هجوم من الكاتب نفسه، وكانت المفارقة عندما قال إنه لم يقرأ في حياته ولا زاوية مهمة للراحل معماري! مع أن وليد معماري من مؤسسي زاوية قوس قزح في صحيفة «تشرين» وهو من أعطاها هذا الاسم، وهو صاحب أول نص فيها. هكذا بكل بساطة يمكن لأحدهم أن يشطب تاريخاً كاملاً للشخص، ويقلل من شأنه ومن مستوى تجربته، مع إنه في المقابل لم يقدم شيئاً يوازي ما فعله الراحل، والدليل الذي يمكن أن يرشدنا إلى ذلك هو معرفة الناس ونسبة إعجابهم بالناقد مقابل من يتعرض للانتقاد أو بالأحرى للحسد.
بالتأكيد لا يحتاج وليد معماري أو شوقي بغدادي إلى شهادة حسن سلوك من أحد، فما كتباه وهو كثير، يتحدث عنهما، وإذا ما انبرى النقاد إلى سبر أغوار تلك النصوص، فبالتأكيد لن يعترض أحد.