قرارات دعائية بوصمة إنسانية.. كوارث الطبيعة تحرك الملفات المتعثرة والخبراء يعوّلون على استثمار الوقت بالمفيد
تشرين-بارعة جمعة:
ربما لم يكن غريباً أو غير متوقع صدور قرار الخزانة الأميركية بالترخيص السوري لعام 2023 والذي يسمح لمدة 180 يوماً بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سورية، إلّا أن البدهي اليوم هو عدم الانسياق وراء تحميل هذا القرار الكثير من الآمال التي لم ترقَ بعد للمستوى المطلوب منه، فالضغط الأمريكي الشعبي أخذ الأمور لمنحى مختلف، أمام كارثة جديدة مكملة لحلقات كوارث الحرب والحصار على مدار 12 سنة، فيما بقيت الأنظار اليوم معلّقة بمشهد الزلزال الذي استطاع استجرار ورقة جديدة من لعبة الاقتصاد العالمي ولمدة 6 أشهر فقط.
مسافة أمان
هو خطوة في طريق الإغاثة الطارئة للمتضررين من الزلزال، وليس النهوض بميادين الاقتصاد كلها، نقطة كانت الأهم بين بنود القرار، الذي أتى بمثابة إراحة بعض الشركات والجهات والدول التي كانت تمتنع عن التعامل مع سورية حتى البنود خارج العقوبات مثل الغذاء والدواء حسب توصيف الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي حازم عوض، الذي أرجع الأمر للخوف من التعرض لأي مساءلة فيما يسمى الامتثال المفرط، والذي فتح باب الاستفسار المباشر قبل القيام بأي خطوة تخشى بها الجهة التي تريد التعامل مع سورية أن تتعرض لعقوبات معينة.
خبراء: من الممكن تحويل المحنة إلى فرص إلّا أن الوقت قصير
فاليوم من الممكن التعامل المصرفي مع مصرف سورية المركزي لشؤون التعاملات المالية لغاية الإغاثة تحديداً، التي تفرض على المعنيين اغتنام هذه الفرصة برأي عوض، وذلك بالالتفات لنقطة مهمة وهي استجرار النفط من دون أي عوائق للمناطق المنكوبة ولغاية الإغاثة، والذي بدوره يؤكد قرار الخزانة بمنع شراء النفط من سورية من دون التأكيد على العكس، يضاف لذلك إعادة بناء وتعمير البنى التحتية بعد تقديم المساعدات الطارئة والسماح للجهات العاملة بهذا المجال بمساعدة سورية، إلّا أن وقت الفرصة قصير وينتهي في شهر آب.
تبعات إيجابية
ولأنه لا يختلف اثنان بأن محصلة الانعكاسات الاقتصادية للزلزال هي كارثية وبكل تأكيد وعلى كافة المستويات، بدءاً بالخسائر بالأرواح، وانتهاءً بمعاناة الجرحى والتبعات المعيشية والنفسية، يبقى لبعض هذه المنعكسات نوع من الإيجابية في بعض الأوجه برأي دكتور الاقتصاد في جامعة دمشق عابد فضلية، والذي ظهر جليّاً من ناحية استقرار أو انخفاض سعر القطع الأجنبي وازدياد المخزون منه، إثر ازدياد العرض منه نتيجة التحويلات الإغاثية الخارجية بالقطع الأجنبي من جهة ومسارعة بعض المواطنين لتصريف كل أو جزء مما لديهم من القطع لتغطية احتياجاتهم السلعية أو النقدية الشخصية أو المتبرع بها كمساعدات إغاثية من جهة أخرى، علماً أن ديمومة هذا الأثر واستمرار فعاليته يتعلق مباشرة باستمرار وحجم المساعدات الخارجية (السلعية) و(المالية)، كما يتعلق بصوابية أو عدم صوابية توجيه هذا القطع، فيما إذا كان سيتجه نحو توفير مزيد من مواد ومستلزمات الإنتاج وتعزيز فرص الاستثمار أم إنه سيتجه نحو وجهات غير تنموية، لتبقى الإجابة برأي فضلية برسم الفاعلين السوريين، وهم كافة أفراد المجتمع.
عوض: القرار بمنزلة الراحة لبعض الشركات والجهات والدول الممتنعة عن التعامل مع سورية
وتنقسم منعكسات هذا الواقع اقتصادياً إلى مجموعتين برأيه، الأولى إيجابية فورية وقصيرة الأمد، بتحرك الأنشطة المنتجة للمواد والسلع الضرورية (الغذائية والدوائية) والمستلزمات المنزلية المعيشية الضرورية البسيطة، والثانية منعكسات مادية ملموسة للكارثة الزلزالية التي وصفها فضلية بالسلبية حتماً على المدى المتوسط، إلّا أنها من الممكن أن تكون أقل سلبية على المديين المتوسط والطويل، في حال استطاعت هذه الكارثة أن تحفز الأنشطة الإنتاجية واستنفار الطاقات البشرية، كما يمكن أن تكون هذه الآثار المتوقعة غير سلبية وأقل إيجاباً في حال تمت تغطية تكاليف مستلزمات هذا الحراك بالأموال والمعونات الداخلية والخارجية، الوطنية والأجنبية، وفي حال تصدت لها الجهات الفاعلة الحكومية والخاصة بمرونة وحزم وإجراءات وتشريعات استثنائية غير تقليدية، من شأنها ومن الممكن أن تحول المحنة إلى فرص.
تأثير سطحي
وفي النظر لزوايا القرار الذي ركز على التشديد على مبدأ الإغاثة، كغطاء إنساني ونوع من التهدئة للرأي العام الأمريكي المطالب برفع العقوبات عن سورية، سنجد بأنه قرار أجوف حسب توصيف الخبير الاقتصادي عامر شهدا، لخلوه من تأثير على الوضع الاقتصادي وعدم تضمنه رفع التجميد عن المبالغ السورية الموجودة بالبنوك الخارجية، وعدم توجيه المصارف العالمية لإعادة علاقتها مع المصارف السورية، ورفع العقوبات عن مصرف سورية المركزي، والسماح لشركات التحويل بتحويل الأموال والتعامل مع المصارف السورية، إضافة لعدم احتوائه على السماح للشركات بالتعاقد مع الدولة السورية بخصوص توريد قطع الغيار والمعدات والتجهيزات واللوازم لإعادة البنية التحتية من كهرباء وماء.
فضلية: لبعض منعكسات الكارثة نوع من الإيجابية لجهة انخفاض سعر القطع الأجنبي وازدياد المخزون منه
ولكي نقول إنّ هناك تأثيراً، لابدّ من التوجه للمصارف برأي شهدا، لأنه وبمجرد إعطاء الولايات المتحدة الأمريكية الإذن بالتحويل لسورية من المصارف الأوروبية سيبقى هناك تخوف بسبب اختصار الزمن بـ6 أشهر، التي لا تكفي برأيه لتأمين المستلزمات والمتطلبات الإنسانية للزلزال ولإعادة الإعمار وعودة الكهرباء لتمكين المشافي من إجراء عمليات وتوريد التجهيزات للمشافي والمدارس.
شهدا: القرار أجوف ومجرد أسلوب إعلامي دعائي ويخلو من أي تأثير اقتصادي والمخاوف لا تزال قائمة بسبب اختصار الزمن بـ 6 أشهر فقط
فالضحايا والخسائر كبيرة، والبنية التحتية مدمرة، وإن بقي القرار على وضعه فلن ينعكس إنسانياً ولا اقتصادياً على البلد ككل برأي شهدا، وفي حال لم تعمم أمريكا على الشركات والمصانع الأمريكية التعامل مع سورية، سيبقى القرار فارغاً ومجرد أسلوب إعلامي دعائي للتخفيف من ضغط الشعب الأمريكي على إدارة بلاده.
وما تشهده البلاد اليوم من تفاعل كبير، وفتح الممرات لدخول المساعدات الموجهة من الدولة للمنكوبين ضمن سيطرة الدولة وخارجها، ورفع الطلب من المغتربين السوريين والمهاجرين على الليرة السورية بتحويلها كإعانات لسورية، انعكس تلقائياً انخفاضاً بسعر الصرف، فمن المعيب برأي شهدا القول إنّ القرار تسبب بهذا الانخفاض كما يروج له البعض.
أقرأ أيضاً: