عبء الحقيبة والهندام
أن تحمل حقيبة حتى لو شابها الاهتراء لعدم المقدرة على شراء بديل عنها وتلملم أشياء عملك فيها، وأن ترتدي هنداماً يليق بمهنتك ولو من ملابس أكل الدهر عليها وشرب، للغلاء الفاحش للجديد منها، أصبح عبئاً ثقيلاً عليك هذه الأيام وله ضريبته.
مبعث العبء؛ أن كل من يراك في الطريق من المتسولين المنتشرين بكثافة في طرقات مدينة درعا أو في المديريات الحكومية أو العيادات التي يجوبون أغلبها يومياً، يهجمون عليك و”يتشعبطون” بك مطلقين باتجاهك وابلاً من معزوفة “الشحادة” المتقنة بعناية، ظناً منهم أنك الصيد الثمين بدليل الحقيبة والهندام، غير مدركين أن بعضنا يمضي إلى عمله وقد لا يكون في جيبه بضعة آلاف من الليرات قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولن تستطيع التخلص منهم إلّا بشق النفس.
إنّ التسول في أيامنا هذه بات أشبه بالمهنة، حيث يلاحظ أن مجموعات من النسوة والأطفال يحضرون بوسائل نقل محددة من بعض الأرياف ويتوزعون في أرجاء المدينة، وعند العصر بعد انتهاء الدوام الرسمي وتراجع حركة المارة يغادرون، ثم يعاودون الكرة في اليوم التالي وهكذا.
عددّ من أصحاب محال بيع الطوابع وتقديم خدمات التصوير وغيرها المتوضعة بمقابل المجمع الحكومي، تطرقوا بحضورنا منذ أيام لمشكلة تفشي ظاهرة التسول إلى حدٍّ لم يعد محمولاً، مبينين أن أطفالاً وبشكل شبه يومي يأتون لاستبدال الفئات النقدية الصغيرة بأخرى كبيرة، وقال أحدهم: كل منهم يأتي ولديه بالحدّ الأدنى مبلغ ٢٥ ألف ليرة، وفي مدخل البناء المؤدي لمكتب صحيفتنا وهو في موقع مجاور، كثيراً ما نصادف نسوة وهن يجلسن ويتناولن-ومن معهن- الشاورما مع العصائر غالية الثمن، في حين أن أغلبية الموظفين يعسرهم تناول سندويشة فلافل حتى لو استمروا بلا طعام طوال دوامهم لضيق حالهم.
الأخطر من ذلك أن هناك نسوة يجبن على المنازل ويطلبن الدخول بمسوغ الحصول على ملابس أو طعام أو نقود، وهن يتحركن أكثر من واحدة، والمخاوف من أن يتم استغلال وجود ربة المنزل وحدها أو الأطفال وحدهم ويقمن باستغفالهم وسرقة أشياء قد تكون ثمينة جداً.
لا ننكر أن الوضع المعيشي ضاغط جداً وهناك عوز شديد، لكن الملاذ يفترض أن يكون الجمعيات الخيرية والجهات الإغاثية، وما أكثرها هذه الأيام وهي الأقدر على تحديد المحتاج من غيره، وهنا ينبغي على الجهات ذات العلاقة أن تمارس صلاحياتها بمكافحة ظاهرة التسول التي باتت تتفشى بشكل كبير في محيطنا، توازياً مع أهمية دعم الأسر الأشد فقراً من خلال الجهات ذات العلاقة.