المحصول الأهم في الدائرة الأخطر زراعياً.. وخبير يقترح خطّة إنقاذ مستدامة
تشرين – رشا عيسى:
رغم الخطط الموضوعة لإنقاذ المحصول المقبل من القمح، إلّا أن الانتكاسات التي تصيب زراعته لا تزال أقوى من الجهود الموضوعة للحفاظ على هذا المحصول الإستراتيجي.
وبعد سلسلة من الأزمات المتتالية التي أصابت زراعة القمح والمزارعين على حدٍّ سواء هذا العام، بدأ الخبراء الزراعيون يدقون ناقوس الخطر ويدعون لتدارك الأزمة وتفعيل الدعم الحكومي بشكل أوسع لهذا القطاع الإستراتيجي تجنباً للوصول إلى أسوأ السيناريوهات وهو الاعتماد على الاستيراد بشكل مطلق.
إنقاذ الوضع الراهن
يؤكّد الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش لـ(تشرين) ضرورة إيجاد خطة إنقاذ للوضع الراهن بما يتعلق بمحصول القمح الذي عانى مزارعوه من تأخر استلام البذار، والتكلفة المادية المرتفعة التي دفعوها مقارنة بما تم استلامه منهم، إضافة إلى مشكلات فنية في تجهيز الأرض من توفر المحروقات (المازوت الزراعي) بالسعر المدعوم، إلى مشاكل تأمين السماد المعدني وعدم كفايته وارتفاع ثمنه حتى المدعوم منه مصرفياً.
ووجد درويش أن الأزمات السابقة تنبئ بعام لم نشهد له مثيلاً في تاريخ إنتاج هذا المحصول محلياً، والمصنف بأنه محصول إستراتيجي، ما ينذر بأننا سنعتمد على الاستيراد بالدرجة الأولى، وهذا ينطبق على المحاصيل العلفية وغيرها.
وصل الحلقات المقطوعة
وبيّن درويش أن الحاجة ملحة لحلٍّ إسعافي، وإلّا سيكون الوضع صعباً بنتائج أكثر خطورة، مطالباً بإيجاد الحلقة المفقودة بين البحث العلمي الزراعي والواقع التطبيقي، والاستفادة من مخرجات البحث العلمي الزراعي.
ويرى درويش وجود خلل في الترابط بين المؤسسات العامة والمراكز البحثية والأكاديمية لتحديد المشاكل المرتبطة بقطاعاتهم واعتمادها كمحاور بحثية وإيجاد الحلول لها، فضلاً عن عدم استفادة هذه المؤسسات من الأبحاث المنجزة سابقاً أو الحالية لمعالجة الخلل الحاصل، مؤكداً أن التطور الزراعي مقترن بالبحث العلمي.
إحداث شركات محلية على غرار البلدان الأخرى تعمل على حصر المشكلات الزراعية
وتمنى إحداث شركات محلية على غرار البلدان الأخرى تعمل على حصر المشكلات الزراعية، ثم يتم الاتصال بالمراكز البحثية والأكاديمية ليتم العمل على حلّ هذه المشكلات وتقديم المقترحات.
مجلس مشترك
كما اقترح أن يكون هناك مجلس مشترك أو هيئة مشتركة مكونة من ممثلين عن كليات الزراعة والهيئة العامة للبحوث الزراعية تعقد اجتماعات دورية لحصر المشكلات والتوجه العام الزراعي وطرحها كمحاور بحثية سواء على مستوى مراكز البحوث العلمية الزراعية أو على مستوى الكليات الزراعية الأكاديمية، والعمل على وضع مقترحات تسهم في تحسين وتطوير واقعنا الزراعي من خلال تذليل هذه العقبات والمشكلات.
وأكد درويش وجود خبرات محلية على درجة عالية من الموثوقية والكفاءة، قادرة على وضع خبراتها والتشارك مع وزارة الزراعة لرصد الأزمات والتشارك بحلها بغية تحسين الواقع الزراعي ما ينعكس إيجاباً على اقتصادنا الزراعي وحياة أهلنا ومستواهم المعيشي.
تنسيق ثلاثي
وحسب درويش؛ نحن بحاجة لاستجابة وتعاون أكبر من مؤسسات القطاع العام، ولن نصل إلى حلّ مستقبلي لأي مشكلة زراعية من دون التنسيق بين ثلاث جهات معنية، وهي كليات الهندسة الزراعية كجهة أكاديمية بحثية ومراكزها البحثية، الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ومراكزها البحثية، ووزارة الزراعة ممثلة بمديرياتها ومؤسساتها المختلفة،
إنشاء مجلس مشترك بين الكليات الزراعية وهيئة البحوث الزراعية لتحسين الواقع الزراعي
ولا ضير أن تكون هناك مشاركة من الاتحاد العام للفلاحين وجمعياته كممثل عن المجتمع المحلي الزراعي، ومشاركة من المنظمات الزراعية العاملة على الأرض.
لا بديل عن الدعم
وشرح درويش أنه في ظل الواقع الاقتصادي الحالي لا بديل عن سياسة الدعم الحكومي للزراعة وتحديداً هذا القطاع الذي بنيت ركائزه بالاعتماد على الدعم الحكومي، ووضعت خططه الخمسية برؤية حكومية هدفت ولازالت لتأمين رغيف الخبز لكل فرد على امتداد هذا البلد.
وأوضح درويش أن المدخلات اللازمة للزراعة تشكل صيغة متوالية، حيث إن أي تغير في قيمة مدخل ما سينعكس على تكلفة الناتج الزراعي في النهاية، ومن هنا فإن تحرير أسعار المحروقات والأسمدة والبذار سيقود حتماً لارتفاع تكاليف المنتج الزراعي، وبالتالي ارتفاع أسعار تكاليف الشراء التي سيتكبدها المستهلك، لذلك لابدّ من التدخل الحكومي في هذا المجال.
هناك محاصيل أخرى لا تعاني الأزمات نفسها التي تعانيها زراعة القمح
وجدد درويش القول إن هناك محاصيل أخرى لا تعاني الأزمات نفسها التي تعانيها زراعة القمح، متسائلاً عن السبب وراء ذلك، إن كان يعود لسوء تخطيط أم سوء إدارة أم مشكلة في دعم المحصول؟.
ويضيف: لم نجد مثلاً محصول التبغ يعاني هذه المعوقات، أو إن المؤسسة العامة للتبغ لديها مشكلات في إنتاج محصولها وتصنيعه أو تسويقه كما تعاني زراعة القمح.
ويتساءل درويش إن كان التبغ يتلقى دعماً أكبر لإنجاح زراعته مقارنة بمحصول القمح؟ مضيفاً: إن عدم وجود إدارات مختلفة لكل محصول قد يكون السبب في ذلك.
زراعة التبغ بدأت بالتوسع لتشغل مساحات في أراضي سهل الغاب على حساب القمح
وأشار درويش إلى أن زراعة التبغ بدأت بالتوسع لتشغل مساحات في أراضي سهل الغاب، وقد تكون على حساب المحاصيل الإستراتيجية ومنها القمح، ما يشكل نقطة إيجابية لمصلحة المؤسسة في كسب المزارعين لإنتاج هذا المحصول، لكنها في الوقت ذاته تشكل تحولاً سلبياً في إمكانية تأمين إنتاج مستقر من القمح الذي يعد استقرار إنتاجه من مقومات الأمن الغذائي.