هل يصيبنا العمل بالمرض؟.. لأول مرة منذ الثورة الصناعية الصحة والعافية في حالة تراجع
التفكير في عواقب الإجهاد والتعب والقلق والكآبة على الاقتصاد كان عميقاً. أصبحت نسبة متزايدة من الناس مريضة جداً لدرجة لا يمكنها العمل، ما يجعل من الصعب مواجهة الأزمات كترويض التضخم وتعزيز النمو. من المفهوم إذاً أن سؤال “كيف يمكننا إعادة الناس إلى العمل؟” هو السؤال الذي يستمر صنّاع القرار في طرحه. لكن ماذا لو كان العمل في حدِّ ذاته جزءاً من المشكلة؟
بكثير من المقاييس، يعد العمل أقل خطورة على صحتنا مما كان عليه في السابق، حيث تقلص قطاعا التصنيع والتعدين كثيراً. انخفضت الاضطرابات العضلية الهيكلية التي كانت في السابق أكبر سبب لاعتلال الصحة المرتبط بالعمل، بشكل مطرد خلال العقود القليلة الماضية.
لكن في حين أن العمل أصبح أقل خطورة جسدياً، يبدو أنه أصبح أكثر خطورة من الناحية النفسية. بدأت حالات الإجهاد والاكتئاب والقلق المرتبطة بالعمل في الارتفاع منذ عقد تقريباً. كما أن هذه الحالات تصاعدت خلال الجائحة وتمثل الآن نصف الحالات المرضية المرتبطة بالعمل.
ما سبب ذلك؟ نعلم من بيانات الاستطلاعات أنه كان هناك تكثيف للعمل في العقود الأخيرة في جميع أنواع الوظائف من سائقي التوصيل إلى محاميّ الشركات. كما حدث انخفاض في مستوى سيطرة الناس على طريقة عملهم، ولاسيما بين العمال ذوي الأجور المنخفضة.
تظهر الأبحاث أن الجمع بين ارتفاع الطلب وانخفاض السيطرة في العمل – المعروف في الأدبيات الأكاديمية “بالإجهاد الوظيفي” – ضار بالصحة العقلية والبدنية. وجدت إحدى الدراسات التي تابعت أكثر من 52 ألف امرأة عاملة على مدى أربعة أعوام، أن إجهاد العمل مرتبط بزيادة أكبر في مؤشر كتلة الجسم، مثلاً.
مؤخراً أجريت مقابلة مع امرأة تعمل لمدة عشر ساعات وتعود إلى المنزل وتنام بضع ساعات ثم تستيقظ لتأخذ ابنتها إلى المدرسة. قالت إنه في الأغلب ما يعاني العاملون انهيار العلاقات بسبب ساعات العمل.
كما أن العمل قد يكون مرهقاً.. “إنه حقاً عمل شاق عقلياً في بعض الأحيان، والساعات لا تساعدنا، واختفت بعض الأمور، لم تعد هناك وجبة مجانية، واختفت كذلك فترة الاستراحة التي كانت كافية لتناولها. كما اختفت سيارة الأجرة التي توصلك إلى المنزل. ولم تعد هناك مكافأة في الأعياد، “في الآونة الأخيرة كثيراً ما يترك الناس العمل لأنهم يشعرون بالاكتئاب”.
الإجراءات سيئة من حيث تطبيق قوانين العمل, لا يعني أياً من هذا أن نلقي على العمل كامل المسؤولية عن تدهور صحة العاملين. هناك كثير من الأسباب المحتملة الأخرى، من الأطعمة المصنعة إلى تزايد الشعور بالوحدة ووسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الجائحة نفسها والضغط على خدمة الصحة الوطنية.