«عقائدُ ما بعد الموت عبر العصور» للدكتور حسام غازي.. بحثٌ موسوعيٌّ في ماهية وطقوس الموت منذ العصر البدائي

تشرين- سامر الشغري:

من الأجدى بنا ونحن نقبل على قراءة كتاب (عقائد ما بعد الموت عبر العصور) للباحث الدكتور حسام غازي، أن نبدأ من خاتمته التي جاء فيها أن الإنسان بدأ بدفن موتاه منذ نحو 120 ألف سنة قبل الميلاد، أي إنه ابتكر أولى طقوس التعامل مع فقدان الحياة قبل أي منتج حضاري صنعه وبعشرات آلاف السنين.
إن هذا الوعي البشري المبكر بماهية الموت وأشكال التعاطي معه مادياً وفكرياً، يشي بمقدار الأثر الهائل الذي تركه غياب أحد الأشخاص على الإنسان البدائي وإدراكه أنه لن يراه ثانية، لذلك أوجد كما يخبرنا المؤلف الممارسات الجنائزية، ودفن موتاه بعناية كبيرة وأحاطهم بالرعاية والاهتمام.. ويأخذ الكتاب شكلاً موسوعياً إذ يعرض على القارئ إبحاراً عميقاً وشاملاً في عقائد ما بعد الموت وتصورات البشر حوله وطقوسه المرافقة، وما فيها من تطابقات وتناقضات تطورت بتطور الوعي الحضاري والتقدم المعرفي، مع وجود سمات مشتركة بقيت موجودة حتى الآن.
يقع الكتاب في ثلاثة أجزاء، يبحث الأول في عقائد الموت عند الشعوب البدائية في عصور ما قبل التاريخ، ويكشف لنا أن أول توثيق لدفن الإنسان لموتاه ظهر من خلال مكتشفات مغارتي السخول وقفزة في فلسطين، حيث وجدت عظام إنسان ميت مرفقة بعظام حيوانية وأدوات صوانية، بينما مارست مجتمعات أخرى عادة حرق الموتى، وآمنت شعوب إفريقيا السمراء من قبائل كاينكا والنوير، بخروج الروح من الجسم عند الوفاة، وبوجود عالم منظم للأموات على غرار الأحياء.. ويعرض المؤلف لأشكال المدافن وأماكنها في قبور جماعية أو فردية وأنماط معالجة الجثة قبل الدفن في تلك العصور الضاربة في القدم، ويوضح أن البعد الرمزي للممارسات الجنائزية للإنسان البدائي القديم، يدور حول محورين: الاعتقاد بالعالم الآخر وتقديس الأموات، لذلك حرص الناس في تلك العصورعلى تزويد موتاهم بكل ما يحتاجونه لرحلتهم نحو ذلك العالم المجهول.
في الجزء الثاني المخصص للديانات القديمة، سوف نتفاجأ بمقدار التعقيد الذي أسبغته هذه الشعوب على عالم ما بعد الموت كما عند بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر القديمة، والتي آمنت بالحساب والثواب والعقاب ووصفت بإسهاب شديد العالم السفلي أو عالم الأموات وقيامة الجسد، وابتكرت التحنيط اعتقاداً منها أن الروح لن تتعرف على الجسد الذي خرجت منه إذا طاله الفناء، وأوجدت طقوساً لا تزال مستخدمة حتى اليوم، من تقديم الأطعمة لروح الميت وسكب الماء على قبره، وتحويل جثته في القبر لاتجاه معين، كما بلغ بناء المدافن لديها الذروة كما عند التدمريين.
ويتناول الكتاب نظرة ديانات العرب في عصر الجاهلية في قضايا مثل الإيمان بالبعث والحياة الأخرى أو إنكارهما.
ثم ينتقل الكتاب بعدها للحديث عن الديانات والفلسفة الإغريقية، متوقفاً عند الإله هاديس الذي كان يحكم عالم الموتى في الميثولوجيا، عارضا للآراء المثيرة التي قدمها الفلاسفة اليونان في الموت، على ما فيها من تناقض واختلاف ولكن صداها يتردد حتى أيامنا، مثل انكسمندر الذي تحدث عن خروج الأشياء من اللامتناهي ثم العودة إليه، وفيثاغورس الذي تحدث عن تناسخ الأرواح، وبروتاغوراس الذي وجد الخلود في ممارسة الإنسان لحياته بأقصى طاقاتها، وأرسطوطاليس الذي وجد أن النفس بكليتها لا تستطيع البقاء بعد الموت.
وفي الجزء الثالث المخصص للحديث عن الديانات الحية، نجد الهندوسية التي تحدثت عن دورات الوجود المتوالية والتناسخ، والبوذية والعوالم الستة التي يتوزع إليها البشر بعد موتهم، والكونفوشوسية، إذ كان يطلب الفيلسوف الصيني كونفوشيوس من أتباعه أن يخدموا الناس قبل أن يخدموا الأرواح.
وعندما ينتقل الدكتور غازي للحديث عن عقائد ما بعد الموت عند الديانات السماوية، فإننا سنتفاجأ من وجود خلافات جوهرية بين الفرق اليهودية التي رسمت كل منها تصورها الخاص لمصير الروح بعد الموت، بين من آمنت بخلود النفس كالسامريين وبين من أنكر ذلك وآمن بمادية الحياة كالصدوقيين، كما أن تناسخ الأرواح عقيدة معترف بها في التلمود.. أما بالنسبة للديانة المسيحية فرغم وجود اتفاق بين الكنائس المختلفة على العديد من العقائد المتعلقة بالعالم الآخر، ومنها مفهوم الموت لكنها تختلف في حالة الروح بعد الموت، بين من يؤمن بعقيدة المطهر وبين من ينكرها.

ويميل المؤلف للحذر عندما يتحدث عن تعامل الديانة الإسلامية مع الموت ونظرتها له، فهو رغم إقراره بتباين آراء الفرق الإسلامية حول الموت، لكنه يكتفي بالمعلومات الواردة في القرآن الكريم، متحاشياً بذلك طقوس الموت وفلسفاتها المتباينة، معيداً ذلك لغياب مصادر المعلومات الدقيقة عن العديد من هذه الفرق بسبب طبيعتها. وكما بدأنا من خاتمة الكتاب الصادر عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، نختم بخاتمته إذ فيها ملاحظة تعكس رأي المؤلف يقول فيها «إننا نتعايش اليوم مع مئات التصورات المتناقضة للموت، لكل منها أتباع يرون أنفسهم في معظم الحالات عائمين في قارب النجاة، ويرون الغير غارقاً لا محالة».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا