في مهرجان “نديم محمد للشعر والنقد” لم يكن لحامل الاسم نصيب من فعالياته
تشرين- ثناء عليان:
انطلقت أمس فعاليات مهرجان “نديم محمد للشعر والنقد” في صالة المركز الثقافي في طرطوس بحضور ثلة من الأدباء والمثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي، وتضمن حفل الافتتاح عرض فيلم وثائقي تحدث عن مسيرة الشاعر هيثم علي منذ نشأته الأولى، ومراحل مسيرته الإبداعية، والمهرجانات الشعرية التي شارك فيها على مستوى سورية.
واللافت للنظر أن المهرجان بالرغم من أنه حمل اسم الشاعر نديم محمد إلّا أن فعالياته لم تتطرق لذكر شاعر الألم حتى في البرنامج الذي أعد مسبقاً ولا حتى بفيلم وثائقي ولا بكلمة مدير الثقافة في طرطوس كمال بدران الذي أكد خلال كلمته أن الشعر صوت القلب ولسان العاطفة، فلا يخفى على أحد أهمية وفائدة الشعر، فهو اللسان الذي يعبّر عن ضمير الشاعر وبالتالي عن ضمير الشعب الذي ينتمي إليه..
وأشار بدران إلى أن مهرجان الشعر (مهرجان نديم محمد) بات تقليداً سنوياً نحييه كل عام في شهر كانون الأول ويستمر عادة لعدة أيام بمشاركة واسعة من شعرائنا المبدعين سواء من محافظة طرطوس أو من المحافظات الأخرى، ولكننا هذا العام ونظراً للظروف الاستثنائية والمعروفة لنا جميعاً سيكون المهرجان على مدى يومين فقط على أمل أن نلتقي العام المقبل بمهرجان أغنى وأوسع وفي ظروف أفضل.
وقدمت الشاعرة ليندا إبراهيم قراءة نقدية في أعمال الشاعر هيثم علي بيّنت فيها أن الشعر عرف قلب وروح الشاعر وهو في مراحل الدراسة الإعدادية، حيث أنجز ونشر أولى مجموعاته وهو في العقد الثاني من عمره، وكتب الشعر العمودي وعمود الشعر، وقصيدة التفعيلة.. وكانت عقود الثمانينيات والتسعينيات –حسب إبراهيم- فترة انطلاق وتشكل جوهر تجربة الشاعر وهي مرحلة المد القومي الأيديولوجي العربي، وهي نفسها فترة انكسار الحلم العربي، بعد نكسة حزيران ثم نصر تشرين فاجتياح لبنان فتحرير الجنوب حتى عدوان تموز.
وكانت البداية مع النورس البحري، طائره الذي حمله حنانه وحنينه وآماله بالسفر خلاصاً وبالعودة ليعود الأمل ويهدأ القلق الإنساني العميق بداخل نفسه الشاعرة، “وتبقين النورس البحري” كانت بداية موفقة وقوية لانطلاق التجربة الشعرية على الملأ، وهو هنا إنما يكتب التجربة الإنسانية عامة، وتجربته خاصةً، في مناخ عفوي فطري يخبر عن البدء ويتنبَّأُ بالمآل: ” تبقين أنت النورسَ البحريَّ.. في زمن السَّفر.. وحكاية البحار والفيروز للميناء.. وقصيدة زرقاء تنتظر المطر”.
ولينشد وجع وطنه ووجعه بوطنه في قصيدته التالية “يا عروس البحر”، متحدثاً عن الزمن العربي الذي عاشه للتو، زمن الضياع وزمن تكسر الأحلام وتبدد وجه الحبيبة التي هي معادل الوطن الكبير والصغير “القبيلة” وكرامتها من كرامتهما محاولاً الإمساك به من الضياع والتبدد قائلاً: “فقبيلتي وطني.. وحبيبتي وطني.. وما أدراك ما وطني.. سفر الجراح إلى الجراح.. إلى أن يقول: “وطني وتمتد الجراح بجسمنا العربي موغلة المُدى.. وكأنما اعتدنا عليها.. والنزف طال ولا يزال”.. ليتكرر المشهد الوطني في قصائده اللاحقة على طول تجربته الشعرية مثل “الولادة” غاضباً من زمن التشرذم العربي وضياع الأرض والحق والقضية…
وفي تقدير الشاعرة إبراهيم فإن تجربة علي قد بلغت نصيبَها من النُّضوج في مجموعته “للنبع الذي لا يزال”، إذ نعثُرُ على قصائدَ للجذور: الأب، الأم، بلدته الشيخ بدر المربع المنشأ مسقط الرأس، تلك البلدة الشاهقة في المجد والخضرة والجمال والكبرياء، والتي يخصِّصُ فيها نصاً كاملاً “نشيد القرنفل” يخلِّدُ فيه سيرة المجاهد الشيخ صالح العلي بطلاً قائداً رفع من شأن المدينة لمقارعته المستعمرَ الفرنسيَّ، وتضحياتِهِ الجليلةِ من أجل عودة الأرض.
وللأنثى والحبيبة ملاذ وملجأ وموضعَ بثِّ النجوى والأمل المرتجى موقعُهُ الكبيرُ من نفسِ الشَّاعر وبالتالي من نصوصه التي كانت عاملاً هاماً وأساسياً شكل تجربته الشعرية:”وتبقين النورس البحري”، “الحب في زمن الصور”: “صمتاً أتيتُكِ حين كان البوح في رئتي رصاصة…”، “الاحتراق”: “ليديك يا أنشودتي الأولى ويا أحلى سؤال…”، “أنشودة لابن الملوَّح”.
وفي مجموعته الرابعة “حافياً كان البيلسان”، يكمل مسيرة الغربة والقلق، “حريق الأسئلة”، “لم يتركوا صوراً وغابوا”، “قراءة في يوميات عربي”، “انتظار”..
وتختم الشاعرة ليندا إبراهيم مؤكدة أن الإلمام في موضع إضاءةٍ واحتفاءٍ بشخصية ما لَهُوَ ضربٌ من المستحيل، لكن أن نَفِيَ الإنسان هذا بعضَ بعضِ حقِّهِ لَهُوَ من ضرب الوفاء والتقدير لتجربته الإبداعية.