ضد “الجرأة” في الدراما.. السيناريست سعيد الحناوي: الأعمال المشتركة يجب أن تكون بعيدة عن الاستنساخ
تشرين-راما آغا:
انطلقت مسيرته الفنية من “أبي الفنون”، حيث تنوعت رحلته المسرحية بين الكتابة والتمثيل والإخراج، ثم كان دخوله إلى عالم كتابة النصوص الدرامية التلفازية من خلال كتابته وتأليفه لنصوص على صعيد الأعمال البوليسية والاجتماعية والكوميدية ثم البيئة الشامية، مثال: “الرابوص، ولاد سلطان، والعديد من الأعمال الأخرى.
“تشرين” التقت الكاتب سعيد الحناوي وكان معه هذا الحوار:
* يرى البعض أن الدراما السورية غاصت كثيراً في تفاصيل الواقع حتى نافست التحقيقات الصحفية، وهو ما أبعد- برأيهم – جانب المتعة منها؟
غوص الدراما بالواقعية هو سلاح ذو وجهين، إذا لم يكن الكاتب والمخرج والممثلون قادرين على تجسيد الواقع، وتكوين مرآة له ثم إبرازه على أكمل وجه فسوف يظهر العمل بعيداً جداً عن الناس، وبالتالي لم يتم تحبيذ مشاهدته من قبلهم بسبب المآسي والضغوط والحرب والمفاسد اليومية، أما في حال تمكّن الكاتب أو المخرج من الوصول إلى الناس في التفاصيل الأكثر دقة وجرآة، ربما تكون تلك التفاصيل ممتعة لهم، ولمسنا ذلك في الموسم السابق في أعمال درامية متعددة ، لكن الاجتماعي العادي الذي يقدمها بطريقة عادية أعتقد أنها لا تقدم أي فائدة بسبب واقعها المُعيش بين الناس يومياً.
* ما رأيك بالدراما العربية المشتركة من حيث الإيجابيات والسلبيات، وما أبرز الصعوبات التي يتعرض لها الكاتب عند كتابة أي عمل درامي عربي مشترك ؟
أحب كثيراً الدراما العربية المشتركة لأنه يجب علينا تقديم دراما مشتركة تحمل رسالة وهدف ومقولة، ثم جلب المتعة كي يتمكن العالم من مشاهدة، في المواسم الرمضانية، عمل اجتماعي لهُ أهمية يُحاكي أي شيء في الحياة الاجتماعية، ونحنُ لا نريد متابعة اعمال بعيدة عن حياتِنا وواقعنا العربي، إضافة لذلك ايضاً لا نطالب بكتابة أعمال تتحدث عن الأزمات والحروب لابتعاد الأعمال الدرامية المشتركة عن تلك الأحاديث نظرا لاختلاف أزمات الدول الخاصة بها..
لكن يجب علينا تقديم عمل يحمل الفائدة بعيداً عن الأعمال الخارجية “المستنسخة” بالملابس والأزياء وعرض البطولات الإخراجية والتصويرية حتى لا يتسبب ذلك بنفور المشاهدين، ثم ارتفاع ميزانية تكاليف العمل إلى سعر يتراوح بالمليارات، وهنا لابد أن أذكر أبرز الصعوبات التي يتعرض لها الكاتب عند كتابة أي عمل درامي عربي مشترك وهي ربط المحاور في بعضها من خلال رسم خطوط ومحاور للشخصية، ومعرفة ميزات البلد التي تنطلق فيه عمليات التصوير على صعيد العادات والتقاليد واللهجات، ومعرفة حبكة القصة، والشخصيات من مختلف البلدان.
* تعددت القضايا الأجتماعية اليوم في شارعنا السوري، ما أكثر قضية ترغب بالتحدث عنها وتسليط الضوء عليها؟
أحب تسليط الضوء على مشاكل الشباب وعلاقتهم بين بعضهم ثم علاقتهم مع أولياء أمورهم والعكس، لوجود العديد من المشاكل التي أدت إلى وجود عقبات لدى الأبناء الذكور والإناث، والحديث أيضاً عن جميع الأشياء التي تؤدي للتشاؤم لدى الشباب كموضوع عدم القدرة على الدراسة، إضافة لعدم التمكن من تأمين عدة متطلبات منها متطلبات الحياة والمستقبل والزواج، وكذلك تأمين فرص العمل، وهناك موضوعات أكثر أهمية على صعيد” النت والسوشال ميديا ” وما تخربهُ من عقولٍ بسبب كثرة رواجها الراهن بالمفاسد.
* كثر الحديث عن المشاهد (الجريئة) في الدراما السورية منذ ثلاثة مواسم، كيف تعلق على هذه الظاهرة؟
أنا ضد الجرأة الدرامية ولا أُحبذها، والمقصود بذلك الجرأة التي تتوجه نحو “العلاقات” منها علاقات الحب والرومانسية أو طرح الموضوع الجريء رغم أنها تُقدم “تريند”.. لكن لستُ معها وإنما أنا مع الجرأة في طرح الموضوعات السياسية والاجتماعية وهذه “ضرورية ” كي نعكس واقعنا، ونعمل على تقديم شيءٍ صادق وأنَّ كل ما يحدث معنا في الواقع هو جريء، لكن أنا بعيد تماماً عن الجرأة الدينية والجنسية ولا أحبها ايضاً بسبب وجود التلفاز كضيف في كل منزل، فيجب احترام مشاعر كل الشرائح والمستويات بسبب اختلاف وضعية التلفاز المختلفة عن السينما، فالسينما يذهب الناس إليها باختيارهم الشخصي بينما التلفاز موجود في كل المنازل، لذلك يجب علينا احترام خصوصية هذه المنازل، فاجتماع معظم العائلات مع أبنائها لرؤية الأعمال الدرامية نظرا لعدم وجود توقيت محدد لنوم الأطفال، وأنا غير متعصب لكن يجب علينا عدم الاقتراب من الجرأة الدينية أو الجنسية لوجود أماكن وزوايا ملائمة لتسليط النور ومناقشة تلك الموضوعات.
* تتنوع الدراما بين الكوميدي والاجتماعي والبوليسي ، أي نوع من الكتابة تميل إليها؟
أُفضل العمل البوليسي الغامض لـ شعوري بقدرتهِ على جذب شريحة واسعة من الجمهور، والعمل الكوميدي في الوقت الراهن أكثر صعوبة لاختلاف الكوميديا الحالية عن أعوامها السابقة وتطورها كما تطور كل شيء.. فالكوميديا القديمة لم تعد تُضحك في الوقت الحالي لتفاقم جرعات الضحك من خلال الأشياء التي أصبحنا نُشاهدها على الواقع وبالتواصل الاجتماعي، إضافة لما يقدمونه في العالم الذي يحتوي على الكوميديا أيضاً، وكذلك بدأت الكوميديا تتطلب مستويات عالية، لذلك أخشى من الكوميديا وليس جميع الكُتَاب يجيدون كتابة الأعمال الكوميدية لـصعوباتها ثم ذكاء المتلقي الآن بالتمييز بين الكوميديا الحقيقية والتهريج.
وشخصياً لا أقوم بكتابة أي عمل كوميدي حتى أعلم من هم الممثلون، ومن هو مخرج العمل لـمعرفة إذا كان هناك وجود كيميا مشتركة بالفكر.. فكتابة عمل كوميدي من دون معرفة تلك التفاصيل هي بمنزلة “مغامرة” كبيرة ، وأحب العمل الاجتماعي لكن البوليسي “الأكشن” هو الأكثر طلباً ورواجاً.
* لكل بداية عقبات تواجهنا، ما أبرز العقبات التي واجهتك في مجال كتابة السيناريو منذ بداية مسيرتك الفنية؟
أبرز العقبات التي واجهتني؛ هي تسويق النص وكيفية التواصل مع الشركات لتقديمه لهم، حيث يستغرق ذلك سنوات طويلة في البحث عن شركات إنتاج وتكوين العلاقات العامة التي كانت تنتهي بالفشل لكن كنتُ صبوراً، وهناك عقبات آخرى تتعلق بالأزمة السورية أثناء بداية الحرب منها توقف عجلة الدراما السورية عن العمل، وهذا الوقوف كان يتطلب المزيد من الصبر، وعملت بعدها في الإخراج المسرحي وكتابة النصوص للمسرح والتمثيل، أما على الصعيد التلفازي فعانيت كثيراً للوصول لأول عمل منتج باسمي، وهناك أعمال قوية جداً لدي تركت بصمة في الواقع والدراما السورية لأهم الكُتَاب، لكن لا استطيع ذكر أسمائهم ولكني شاركت في كتابة هذه الأعمال، ولم أتمكن من ذكر اسمي ومشاركتي بالكتابة لأسباب مرتبطة بأخلاق المهنة، والأسماء التي أتحدث عنها هي من كبار القامات، وواجهتني عقبة آخرى كانت كبيرة قبل الأزمة وهي أنني تعرضت لسرقة نصين كاملين عام 2009 تم عرضهما على الشاشة السورية وهما من أهم الأعمال السورية، ولم أستطع فعل أي شيء لكوني كنتُ في بداية الطريق، وكانت هناك احتمالات تراودني هي ترك مجال مهنة الكتابة.
* هناك اتهامات تدور حول بعض الكُتَاب بأنهم لم ينجحوا في كتابة أعمال البيئة الشامية لأن أكثر هذه الأعمال لم تحمل واقع البيئة الشامية الحقيقي؟
معظم الأشخاص والعاملين في الوسط الفني يعتقدون أنَّ البيئة الشامية هي محور وموضوع واحد، لكن الحقيقة هي بيئة واسعة توجد فيها الكتاتيب لتدريس القرآن والعلوم، وتوجد فيها الجامعات، إضافة للغيرة والنخوة والأشخاص المنغلقين على بعضهم، وكانتَ هناكَ أماكن للهو والمرح والرقص ثم وجود نساء كن يعملن في الغناء والرقص، فالمجتمع متنوع ولذلك يجب علينا تسليط الضوء على جميع زوايا العمل لأسباب تتعلق بالجودة مع عدم ترك أي جانب كي لا ينتج خلل في العمل، وعلى الكُتَاب عدم تقديم وجهة نظرهم حتى لا يفشلوا، فالكاتب الذي يقدم وجهة نظره خاسر وفاشل لكن يجب عليه جمع أراء مختلف الفئات وتقديمها كي يحظى بالنجاح ويتمكن من إرضاء الجميع.
* ذكرتَ في أحد حواراتك أنّ أعمال البيئة الشامية تتطلب رسالة هادفة.. ما الرسالة التي يجب أن تحملها هذه الأعمال؟
الرسالة التي يجب أن تحملها مسلسلات البيئة الشامية هي تراث هذه البيئة وعاداتها وتقاليدها التي تدل على الأصالة والشهامة والقوة والمروءة والنخوة والغيرة ثم تعليم أبنائنا عن أشكال فناءاتنا قديماً، وكذلك كيفية تربية أجدادنا وكيفية التعامل مع الكبير والصغير وعدم التعامل مع المرأة على أنَّها امرأة فقط ويجب عليها ارتداء “الملاية” فرضاً، فنحن أول الناس الذين أتاحوا للمرأة فرصة التعليم بالجامعات، إضافة إلى ذلك كان لدينا صالونات أدبية وكاتبات وشاعرات وكتاب وصحفيون وزعماء سياسيون مهمون، لذلك يجب تسليط النور على تلك القصص كي تكون الأجيال القادمة أكثر استطاعة في معرفة منشأها وشكل دمشق قديماً وكيفية نضالها، وهناك رسائل عديدة يجب وصولها من خلال البيئة الشامية، إضافة للمتعة التي تُضيفها للناس ومحبة الآخرين في التعايش معها بسبب قدرتها على إعادة الذكريات السابقة لهم، وأنا ضد فكرة تشويه البيئة الشامية لكونها تشبه وقتنا الراهن حيث يوجد فيها الجهل والعلم والغنى والفقر ، أي متماثلة بينما تعود الفروقات اليوم بسبب التطورات كوجود النت والتكنولوجيا ، لكن المجتمعات متشابهة والشام قديماً بعيدة عن فكرة الحرب، وكثرة المشاكل بين أبناء الحارات، وهذه القصص تشكلت بهدف جذب متابعة الآخرين، ومن المؤسف أنَّهم نجحوا فيها، وأنا اذا طُلب مني أي عمل فسوف أعمل على إعادة تصويب المفاهيم الخاطئة.
* حدثنا عن تجربتك الإخراجية في المسرح وكيف انطلقتَ من عالم أبي الفنون إلى الدراما التلفازية، وأين تجد المتعة أكثر؟
أهم إنجاز صنعتهُ في حياتي هو عالم الإخراج المسرحي الذي لا أستطيع نسيانه بسبب محبتي الكبيرة للمسرح، وقدمت على خشبته جميع المشاكل التي واجهتنا كشباب، ومشاكل الواقع والأزمات، وتركت بصمة في عالم الإخراج المسرحي، وحظيت بجوائز في الكثير من المهرجانات المحلية والدولية على صعيدي الإخراج والعرض، وآخر ما أنجزته كان مشاركتي في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ونلت أيضاً تنويها كأصغر مخرج مسرحي ضمن مهرجان القاهرة لمشاركتي بين تسعَ وستينَ دولة، ومع أهم المخرجين الكبار، ودخلت لعالم الدراما بسبب وجود مسؤولية عائلتي، والمسرح هو فقط للشغف والموهبة، أي لا يقدم مردودا ماديا جيدا، كما أنهُ لا يؤمن الحياة الجيدة لعائلتي.
* حدثنا عن الأعمال الدرامية التي قمت بتأليفها وكتابتها وما أكثر الأعمال المقربة لكَ؟
أهم الأعمال التي عملت عليها كانت منذُ سبع سنوات، ويوجد لدي أعمال قديمة لستُ بصدد ذكرها، ثم كتبت (صرخة روح) الجزء الثاني كخماسيات ومسلسل (خطايا) بجزأيه الذي ذهبَ للقنوات المشفرة ، ثم عمل (العيلة) على صعيد الكوميديا، إضافة لمسلسل (دنيا 2015) بالتعاون مع النجمة السورية أمل عرفة كسيناريو وحوار، وعلى صعيد الأكشن (الرابوص) حيث أدى إلـى ضجة واسعة مستغرقاً كتابته لمدة تراوحت بين سنة ونصف السنة، وعلى صعيد البيئة الشامية مسلسل (ولاد سلطان).. لكن أهم عمل لدي هو (الرابوص ) و(صرخة روح) ، ورغم أنني ضد “الجرأة” لكن (صرخة روح) قدّم لي الكثير بسبب انتشاره الواسع.
* تعديل نص الكاتب من قبل المخرج أو بعض الممثلين من دون الرجوع للكاتب أمر يكثر الجدال فيه ، هل حصل معك مثل هذا الإشكال؟
أولاً التعديل واجب عندما يكون الكاتب مرنا ويجب على الكاتب أن يمتلك الإحساس المسبق بتعديل نصه الدرامي من قبل المخرجين والممثلين والمنتج، وهذه القصة تكون صحية عندما يتم الاتفاق بين أسرة العمل جميعاً كي يصدر عمل جميل جيد وللمخرج رؤيته الخاصة لما يشاهده من رؤية بصرية بعيدة عن الصورة الأدبية، ووظيفته الاساسية تحويل الصورة الأدبية الى صورة بصرية، لذلك يعمل على تعديل النص من حيث الحذف والإضافة والتعديل ليتناسب النص الدرامي مع عمليات التصوير،
ولكني ضد فكرة حذف الأشياء الأساسية وعدم ذهاب معلومات النص من دون علم الكاتب أو حذف الحوار المكتوب من قبل الكاتب بموجب أنه تم الاتفاق على النص وقراءته مسبقاً قبل توقيع العقد ، وهناك مخرجون عباقرة تركوا بصمة منهم المخرج حاتم علي لعدم دخوله التصوير حتى يتم الاتفاق بينه وبين جميع الكوادر الفنية، وحصلت معي في عدة نصوص ظهرت بشكل سيىء لما ذكرته مسبقاً، ولا أريد الإفصاح عن قائمة الأسماء لكونهم زملائي، لكن الاتفاق مع الكاتب ضروري كي لا يكون العمل دون المستوى المطلوب والكاتب هو الأساس.
* حدثنا عن أعمالك التي أنتَ بصدد التحضير لها وما نوعيتها؟
لدي عملان دراميان انتهيت منهما؛ عمل مشترك قيد الحديث فيه يُحاكي الجريمة النفسية والغموض والتحقيق البوليسي، والعمل الآخر يتحدث عن سيرة ذاتية لإحدى الشخصيات في بلد آخر، وأنا قيد التحضير بالكتابة لوضع اللمسات النهائية للعمل، وعند صدور الموافقة بالتصوير سوف أخبركم عن أسم العمل والشركة المنتجه لهُ وتفاصيل أكثر.