كيف نصنّف استثماراتنا؟.. صناعي يقترح مشروعات «عائلية».. وهيئة الاستثمار ترد بمشروعات مليارية
تشرين- لمى سليمان:
يتعافى الاقتصاد المتأزم بالاستثمار الناجح.. فهل يصح قول كهذا في بلد أنهكته سنوات حرب وأتت على نسب كبيرة من منشآته وثرواته وقواه العاملة وحتى أدمغته؟ هل من طريق سالك لاستثمارات خارجية تنقذ ما تبقى من شتات الاقتصاد أم إن الدرب الاستثماري -كما وصفه أحد المستثمرين- محفوفٌ بألغام ومخاطر لا تحمد عقباها؟
في تصريح لـ”تشرين” يؤكد مدير هيئة الاستثمار مدين دياب أن للبيئة الاستثمارية في سورية وجوهاً عدة وقد صدرت عدة تشريعات لتشجيع المستثمر المحلي والأجنبي ولتعزيز العصرنة والشفافية في سير العمل الاستثماري، وكان أهم قانون هو القانون رقم ١٨ لعام ٢٠٢١، الذي حمل العديد من المزايا والإعفاءات (الضريبية- الجمركية- غير الضريبية)، وفتح آفاقاً جديدة ومشجعة للاستثمار سواء من ناحية إدخال قطاعات جديدة ضمن مظلة الإعفاءات وأيضاً سمح بالاستثمار في المناطق الاقتصادية الخاصة، التي تضم أشكال المناطق (التنموية- التخصصية- المنطقة بملكية خاصة) إلى جانب المدن والمناطق الصناعية وأعطاها ميزات وحوافز خاصة.
أما من ناحية الجانب الخدمي فلدينا في سورية عدة مدن صناعية (حسياء- الشيخ نجار- عدرا) مجهزة من النواحي التنظيمية والخدمية والإدارية، وتضم عشرات المقاسم المجهزة والمعدة لاستقبال جميع أنواع الاستثمارات وبكل مدينة صناعية توجد مؤسسة تضم نافذة واحدة تدير العملية الاستثمارية في هذه المدن إلى جانب الجهات المعنية، وأيضاً توجد مناطق صناعية موزعة في المحافظات السورية.
دياب: صدرت عدة تشريعات لتشجيع المستثمر المحلي والأجنبي ولتعزيز العصرنة والشفافية في سير العمل الاستثماري
ومن الجانب الاقتصادي فإن تعرض سورية للحرب الظالمة سبب حاجة ملحة للاستثمار في جميع النواحي مع وجود أولويات في قطاعات حيوية للاستثمار فيها، وبالتالي فإن حجم نجاح الاستثمار كبير، والعائدية كبيرة، والأهم من ذلك كله هو الجانب الجغرافي لكون سورية لديها الكثير من الموارد الطبيعية التي ترتكز عليها عدة استثمارات وتتمتع بميزات كبيرة من حيث الموقع ووجود حدود برية مع قارات العالم، ومرافئ بحرية حيث تعد بوابة للتصدير إلى بلدان العالم.
عائق أم قيمة مضافة؟
يرى دياب أن قانون الاستثمار رقم ١٨ لعام ٢٠٢١ يلبي تطلعات المستثمر المحلي والأجنبي على حدٍّ سواء من عدة نواحي فالميزات والإعفاءات التي حملها القانون شملت طيفاً واسعاً من القطاعات والاستثمارات وأعطى كل التسهيلات للعمل الاستثماري، حيث تقوم هيئة الاستثمار السورية بتطبيق أهداف القانون في إيجاد بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال والاستفادة من الخبرات والتخصصات المختلفة لتوسيع قاعدة الإنتاج بهدف زيادة فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي، بما ينعكس إيجاباً على زيادة الدخل القومي وصولاً إلى تنمية شاملة مستدامة، وذلك من خلال الحملة الترويجية التي تقوم بها ومن خلال اعتمادها دليل إجراءات واضحاً وشفافاً من حيث الزمن والتكلفة، وأيضاً السعي الدؤوب في تسهيل عمل المستثمرين ومواكبتهم من لحظة تقديمهم للمشروع إلى الانتهاء منه والبدء بالإنتاج إلى مرحلة التصفية.
في حين يجد الصناعي والتاجر ياسر كريّم أن قانون الاستثمار لا يكفي وحده بل يحتاج متممات كي يكون الاستثمار صحيحاً، ويوضح في حواره لـ”تشرين” أن من أهم هذه المتممات وفي أولى الأولويات تأتي الطاقة ومن المحتم أن لا استثمار بلا طاقة وباستقرار عوامل الطاقة.
وفي المرحلة الحالية تقف الطاقة عائقاً بسبب الحصار الاقتصادي وسيطرة بعض القوى الخارجية على مصادر الطاقة في بلدنا والتحكم بها. إضافة إلى ضبابية بعض القوانين الاقتصادية وعدم وضوحها كحجر عثرة، إذ من المهم الوصول إلى نقطة الوضوح في القوانين سواء كانت اقتصادية أم ضريبية أم مالية بالإضافة إلى وجود خطة حكومية واضحة لتسيير الاقتصاد بالاتجاه الصحيح.
بيئة ألغام استثمارية؟
وفي سؤالنا عن رؤية أحد المستثمرين للبيئة الاستثمارية لكونها محفوفة بالمخاطر والألغام يجيب دياب: هناك قاعدة اقتصادية تقول “كلما زادت المخاطر، زاد الربح”.
كريّم: قانون الاستثمار لا يكفي وحده بل يحتاج متممات كي يكون الاستثمار صحيحاً
صحيح أن هناك بعض الصعوبات الناتجة عن الحرب التي تعرضت لها سورية ولكن نتيجة العمل الدؤوب والإرادة لبناء سورية الحديثة بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد وتضحيات جيشنا المقدام استطاعت سورية الخروج بكل عزيمة من الوضع السابق لتعمل عن طريق عدة محاور على النهوض بالاقتصاد الوطني والبدء بعملية الإعمار ودعم العملية الاستثمارية بكل قوة، فبالاستثمار نبني وطناً.
ومن وجهة نظر كريّم فإنه لا يمكن الجزم بهذا الأمر ولكن يمكن القول إنه “مسير في المجاهيل” لكون القوانين الاقتصادية الداخلية غير واضحة ولا تساعد على الاستثمار الصحيح وخاصة جدولة الاستيراد والمنصة، والمطلوب هو الوضوح في الضرائب والجمركة والرسوم والسلاسة في إدخال الأموال وإخراجها والأمان المالي، ولا يستطيع أي مستثمر خارجي البدء بالعمل من دون القدرة على إدخال وإخراج أمواله بسلاسة وسرعة وبشكل آمن.
كيف نستقطب؟
لا يمكن استقطاب المستثمر الخارجي من دون الوصول إلى حالة الثقة بالاستثمار الداخلي، حسب رؤية كريّم، إذ إن أغلب المستثمرين الخارجيين إما على معرفة أو صلة أو قرابة بالصناعيين والتجار في داخل البلد. فيجب أولاً إنعاش التجارب الناجحة في الداخل وحتى الآن الصورة الاستثمارية ما زالت غير محفزة وغير واضحة. كما أن العقوبات المفروضة تضيق الخناق على بعض التجار والصناعيين من ناحية استقطاب رؤوس الأموال أو الانغماس في علاقات اقتصادية وتجارية وصناعية متنوعة تعمل على تنشيط الاستثمار.
كريّم: الحل الوحيد هو البدء بمشروعات صحيحة.. وإذا اتخذت الطريق الصحيح وأنتجت ستأخذ الحركة الاقتصادية مسارها الصحيح
كما أن لعامل سعر الصرف وتذبذباته أثراً كبيراً على الاستثمار، فمن المجدي التفكير في كيفية إخراج الأموال بطريقة سلسة وناجعة وسريعة قبل التفكير في إدخالها إلى البلد. إضافة إلى موضوع المنصة وتأثيرها على استيراد المواد الأولية والطريقة المتبعة في إيداع الأموال في شركات الصرافة وانتظارها كلها تصعّب وتطيل الطريق على المستثمر.
كما أنّ هناك تخوفاً من فتح الاستيراد والانفتاح الاقتصادي على الخارج والسبب هو ألّا يؤدي الأمر إلى الارتفاع الزائد في سعر الصرف ولكن ما يحدث هو أن التغير والارتفاع الزائد في سعر الصرف مستمر، والحل الوحيد هو البدء بمشروعات صحيحة التي بالرغم من اضطراب سعر الصرف إذا اتخذت الطريق الصحيح وأنتجت ستحول هذا التغير من ناحية سلبية إلى ناحية إيجابية وتأخذ الحركة الاقتصادية مسارها الصحيح وتبقى الدعوة دائماً إلى الانفتاح التجاري الخارجي وتحرير التجارة.
دياب: بدأنا بالفعل والمشروعات ليست مجرد “حبر على ورق”
كيف نبدأ؟
يقترح كريّم أنه من الممكن البدء بشركات مساهمة عائلية ومجتمعية لكون رؤوس الأموال المتواجدة قليلة هي قطع ذهب مخبأة لبعض الأفراد أو أراضٍ صغيرة أو بعض الحوالات من أقارب في الخارج. بإمكان هذه المشروعات، في حال ألغيت عنها الضرائب والجمارك، أن تكون أساساً جيداً لمشروعات مستقبلية. أو من الممكن أن يتم البدء بشركات مساهمة مع الدولة إذ توجد العديد من البنى التحتية مثل المجمعات الكبيرة التابعة لبعض الوزارات من الممكن استخدامها لإقامة مشروعات تحت إدارة تجارية- اقتصادية لكون بعض المرافق مثل الرياضية والإنشاءات غير قادرة على إدارة مشروع اقتصادي خارج اختصاصها. لذلك من المفترض أن تكون فيها غرف صناعية أو تجارية أو مؤسسات تجارية مشهود لها بالنزاهة بقيادة فريق اقتصادي خاص نزيه وناجح.
ومن جانبه يؤكد دياب أننا قد بدأنا بالفعل، والمشروعات ليست مجرد “حبر على ورق” فقد ارتفع عدد المشروعات المستقطبة بموجب قانون الاستثمار رقم 18 ليصل إلى 49 مشروعاً، ومن المتوقع أن تحقق 4189 فرصة عمل، وقد توزعت هذه المشروعات على قطاعات مختلفة مثل الصناعات الاستخراجية، الصناعات التحويلية، الزراعة والإنتاج الحيواني، الكهرباء والطاقة، السياحة.