الاقتصاد العالمي وقمة مجموعة العشرين G20؟!

ختمت مجموعة الدول العشرين الكبرى G20  اجتماع قمتها في جزيرة بالي الإندونيسية، وإندونيسيا هي رئيسة المجموعة لسنة /2022/، وقد سلمّت الرئاسة للهند للسنة القادمة، وتعتبر هذه المجموعة التي تأسست سنة /1999/منتدى اقتصادياً وليس سياسياً، وتأسست  على خلفية اجتماع الدول السبع الصناعية وفشلها في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية ذاك الوقت، وتشكل دولها حوالي  /90%/ من قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من /80%/ من التجارة العالمية، وحوالي /67%/ من عدد سكان العالم، وطالب رئيس الوفد الروسي ( سيرغي لافروف ) وزير الخارجية الذي مثلّ الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين ) بعدم تسييس المشاكل العالمية وخاصة تداعيات الحرب بين( روسيا وأوكرانيا ودول الناتو)، وأكد ضرورة التصدي للمشاكل الاقتصادية ووضع خارطة طريق تتضمن حلولاً لها وخاصة فيما يخص الدول الفقيرة، وانطلاقاً من هذا بدأ الكثير من المحللين الاقتصاديين يتساءلون، هل أصبحت الدول العشرون بديلاً عن الدول السبع الصناعية؟، وهل سيتم التصدي للمشاكل التي  يواجهها العالم حسب تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة السيد ( أنطونيو غوتيريش ) ومنها أزمة التغير المناخي والطاقة والغذاء والأمن والإرهاب والحروب وغيرها ؟، وهل ستسعى الدول الصناعية لتكثيف الجهود  للحد من تلوث البيئة وتقليل الاعتماد على  الفحم بما يضمن الحد من ارتفاع درجة الحرارة في العالم بأقل من /1.5/ درجة مئوية؟، وتطبيق قرارات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ ( كوب 27) ؟، وهل سيتغير مستقبل هذه المجموعة بعد الانقسام الكبير بين أكبر اقتصادياتها حول الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية

ولا سيما موقف كل من ( الصين والهند وإندونيسيا والسعودية) وغيرها والتي أدانت الحرب و لم توجه أي إدانة إلى روسيا، ما يخالف الرغبة الأمريكية والأوروبية واليابانية؟، وهل ستكون هذه القمة عابرة كغيرها من القمم أم إنها سترسم معالم نظام اقتصادي عالمي جديد قائم على التعددية القطبية وإنهاء القطبية الأحادية ….الخ؟

من خلال تحليلنا للبيان الختامي للقمة والمتضمن سعي دول المجموعة لحل كل المشاكل العالمية وبأسرع وقت، وهنا تذكرت كلمة كاتبنا الكبير ( أدونيس ) [يا شمعة المستقبل البصيرة  مالي أخاف الطرق القصيرة ؟] ، وتبين لي  أن أغلب دول المجموعة تتمسك بمواقفها الداعمة لمصالحها فقط بغض النظر عن مصالح الدول الأخرى، وقد تبين لنا أيضاً تواضع الأهداف المنشودة للقمة كما يقول المثل العامي إن ( الرسالة تقرأ من عنوانها ) ،  وكمثال اقتصادي على ذلك فقد اقترح الرئيس الإندونيسي ( جوكو ويدودوا ) وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة كضيف شرف بتأسيس صندوق عالمي لمكافحة الأوبئة في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل برأسمال قدره /10.5/ مليارات دولار ، ويشرف عليه كل من ( الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية)، ورغم تواضع مخصصات الصندوق بالمقارنة مع إمكانيات دول المجموعة لكن لم يتم الحصول إلا على /1.4/ مليار دولار أي بنسبة /7%/ تقريباً؟، وهذا يؤكد أن هذه المجموعة أعجز من ان تتصدى للمشاكل العالمية الكبرى مثل [ زيادة بؤر التوتر والخلافات الصينية الأمريكية الاقتصادية وخاصة الحمائية التجارية وبما يخالف قرارات منظمة التجارة العالمية WTO  وتفعيل الاقتصاد العالمي ومعدل النمو الاقتصادي والتضخم والبطالة وأسعار الفائدة  ومعدل الفقر وتراجع سلاسل الإمداد للسلع والخدمات وتقليل الفارق بين دول الشمال و الجنوب وصعود اليمين المتطرف في القارة العجوز، وتوقيف سباق التسلح وزيادة مستويات المديونية العالمية وتمدد الناتو في العالم وخاصة في المحيطين الهندي والهادي وآسيا الوسطى ومنطقة شرق المتوسط وغيرها … ].

فهل ستتمكن المنظمات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية وغيرها واللواتي تأسست بعد مؤتمر ( بريتون وودز ) سنة /1944/ أن تمارس أدوارها المطلوبة منها عالمياً؟، وقد أجابت السيدة  رئيسة صندوق النقد الدولي ( كريستينا جور جيفا ) عن ذلك وقالت: [ الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الاتجاه نحو زيادة الانقسام بين الدول، في وقت نحتاج فيه إلى بعضنا بشدة ، وأن العالم سيكون أكثر فقراً وأقل أماناً نتيجة لهذا الانقسام] ، وترافق هذا أيضاً مع إشارات اقتصادية عبرّ عنها رؤساء الوفود، ونذكر منها مثلاً : تركيز الرئيس الأمريكي على أنه يجب ألا تتحول المنافسة بين بلده والصين إلى صراع!، وبنفس الوقت أكد رئيس وزراء بريطانيا ذو الأصل الهندي السيد ( ريشي سوناك  ) بعد هجومه على روسيا وقال: ( يجب المحافظة على مبادئ منظمة التجارة العالمية WTO للحد من تلاعب جهات خبيثة بالأسواق العالمية ).

وهنا يقصد الصين ، وتجدر الإشارة إلى أن أمريكا وبريطانيا هما الدولتان الأكبر في المنظمة، اللتان تتعرضان للانتقاد، حيث توجد وتوجد مئات الدعاوى المرفوعة ضدهما من دول المنظمة بسبب مخالفتهما  لمبادئ المنظمة ؟!، وعبرّ الرئيس الصيني (شين جينغ بينغ) عن موقف الصين مباشرة وقال : (إن العالم وصل إلى مفترق طرق ويجب مناقشة الأمور بصراحة وخاصة بين القوتين الرئيسيتين الاقتصاديتين في العالم، وأن العالم يتوقّع أن تعالج الصين والولايات المتحدة بشكل صحيح العلاقة بينهما) ، ومما سبق يتبين لنا أن الخلافات الاقتصادية والسياسية بين الدول الكبرى تتزايد يوماً بعد يوم، وبرأينا أنه سيتم تجيير الكثير من المشاكل العالمية للقمة القادمة في الهند، وقد عبّر عن حالة الارتباك العالمي الرئيس الإندونيسي في الجلسة الافتتاحية بقوله: (إنه شرف لإندونيسيا أن تستضيف قمة مجموعة العشرين، وأنا أدرك أننا نحتاج إلى جهود ضخمة حتى نتمكن من الجلوس معاً في هذه القاعة)،  فماذا سيقول رئيس وزراء الهند في القمة القادمة لسنة/2023/ ؟، وخاصة أن وضع مجموعة العشرين الآن أسوأ من وضعها سنة تأسيسها، وأنها فشلت في تحقيق أهدافها وبدأنا نتلمس معالم صراعات جيو-سياسية اقتصادية عالمية ، وكل الاجتماعات الدولية والقمم العالمية لم تؤد إلا إلى زيادة الانقسام العالمي الجيو-سياسي الاقتصادي، سواء كانت قمة الناتو أم السبع الصناعية أم آسيان أم قمة العشرين…الخ،  فإلى أين يسير العالم وكم نحن بحاجة إلى تحكيم العقل الجمعي العالمي؟، قمم من دون جدوى وكأني أسمع الآن الكاتب الكولومبي الكبير (غابرييل غارسيا ماركيز ) عندما قال: ( المجانين المسالمون هم غالباً من يستبقون المستقبل)، فماذا لو كان كاتبنا الكبير حاضراً في اجتماع قمة آسيان الذي سبق قمة العشرين وسمع الرئيس الأمريكي عندما شكر ( كولومبيا) في أمريكا الجنوبية  بدلاً من (كمبوديا) الأسيوية لاستضافتها القمة؟، وكل هذه القمم لم ترقَ إلى مستوى المشاكل العالمية الحالية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة يُخرِج منظومة التحكيم المحلي من مصيدة المماطلة الشكلية ويفعِّل دور النظام القضائي الخاص.. التحكيم التجاري الدولي وسيلة للاندماج في الاقتصاد العالمي التطبيق بداية العام القادم.. قرار بتشغيل خريجي كليات ومعاهد السياحة في المنشآت السياحية