مبادرات “فارقة”!

رغم تحذيراتي المتكررة قررت صديقتي “المنظومة” المعروفة بتفاؤلها قبل أن يخفف الغلاء منسوبه، المخاطرة والنزول إلى أسواق الألبسة في حلب ظناً أنها ستجد طلبها بأسعار أرخص، فطالما عرفت العاصمة الاقتصادية بمنتجاتها ذات النوعية الجيدة والسعر الأقل، لكن سنوات الحرب السوداء أطاحت بهذه الحقيقة، التي أدركتها بعين جيوبها عند مشاهدة أسعار الألبسة الشتوية غير المتوازية مع أحوال محدودي الدخل، بحيث تجاوز سعر الجاكيت من النوع المقبول الـ150 ألف ليرة.
صديقتي التي اعتقدت أن زيارتها لمدينة حلب ستعيد لها متعتها وهوسها بالتسوق، كانت الدهشة لم تفارق وجهها عند المرور بأسواقها الشعبية والحديثة وخاصة المعروفة بأنها مخصصة للأغنياء، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعارها، وإنما لمباهاة أصحاب المحال بعرض منتجات مهربة أو موردة من العاصمة دمشق، بينما إنتاج المصانع والورشات الحلبية فتعرض في الأسواق الشعبية أو محلات الجملة، بغية توزيعها في أسواق المحافظات الأخرى التي تبيعها بأسعار أعلى، في وقت تصنع سلعاً ذات نوعية جيدة للتصدير لعدم قدرة المواطن على شرائها، فلا يجد بداً من التوجه إلى أسواق البالة بأسعارها الكاوية أيضاً، والمنتشرة بكثافة في أحياء مدينة حلب، ما جعلها مصدر شكوى وتذمر لصناعييها بداعي تأثيرها السلبي مع مهربات الألبسة الجديدة على المنتج المحلي، الذي أصبح عصياً على جيوب محدودي الدخل، ومنهم صديقتي، التي اقنعها الغلاء بالاكتفاء بما تجود به خزينتها من ألبسة بعضها من أيام العز حينما كانت قطعة الألبسة تحكي عن نفسها من ناحية الجودة والسعر خلافاً لمنتجات الوقت الحالي التي تحتاج فقط إلى “لبسة وغسلة” لتوديعها والحزن على ثمنها الباهظ.
غلاء الألبسة الشتوية في جميع المحافظات وأن كان لحلب خصوصيتها كونها عاصمة النسيج، جعل أغلب العائلات تعرض عن الشراء إلا للشديد القوي، وهنا لفتني تنظيم أحد الفعاليات الدينية معرضاً خيرياً هدفه تأمين كسوة للعائلات الفقيرة شتاءً بعرض ألبسة مستعملة وجديدة بأسعار ما قبل الحرب، وهذه الفكرة قد تشكل فرقاً في حال توسيع نطاقها، وهذا يحتاج همة من الفعاليات الاقتصادية والدينية والاجتماعية ممن يتوافر لديها المال و”يفيض” لدعم هذه المبادرات ومنع تفريغها من مضمونها عبر البيع بسعر التكلفة مثلاً، فطالما استطاعت الجهة المنظمة تنظيم هذا المعرض بالإمكان إقامته على مستوى أكبر عند الرغبة بتفعيل المسؤولية الاجتماعية، وبالتوازي مع ذلك لا بد من تدخل إيجابي من السورية للتجارة بالتعاون مع مؤسسات القطاع العام المنتجة للألبسة كـ”وسيم” وأيضاً القطاع الخاص لتنظيم معارض ألبسة في مختلف المحافظات تجبر التجار على تخفيض أسعارهم والبيع بأسعار “رحمانية” تتناسب مع الجيوب والأحوال المعيشة المرهقة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار