هواجسُ الصّحوةِ التركيةِ الثانيةِ

يكثفُ التركيّ هذه الأيام جرعاتِ حُسنِ النيّاتِ التي يدفعُ بها باتجاه المضمارِ السوريّ، وهي الموجةُ الثانيةُ مما يشبه الصحوةَ، لإبراء الذمة تجاهَ ركامٍ من التعقيدات، أنتجتها ارتجالات صاحبِ نظريةِ “صفر مشاكل” فيما يخص تعاطيه مع المسألة السّورية.

إذ تُذكرنا تصريحاتُ المسؤولين الأتراك الجديدة بكل تفاصيلها، والترقبُ الدوليّ لنتائجها، بما جرى قبيلَ الانتخابات الرئاسية لديهم، وكان التوجسُ والشكوك حينها من كونها محاولةً لتوظيفِ الورقة السّورية لغاياتٍ انتخابيةٍ بحتةٍ، وبالفعل كانت الهواجس صحيحةً، وعاد كل شيء إلى ماكان عليه بعد فوز أردوغان.
اليومَ نحن أمام التجربة ذاتها، وهي بالفعل جديرة بترقب ماسيليها من إجراءاتٍ على الأرض، وكل هذا الذي سيلي التصريحات هو استحقاقٌ ومهمةٌ تركيةٌ خالصةٌ، ففي هذا الملف بالتحديد لايمكن الحديث عن “خطوة مقابل خطوة” لأن التركيّ محتلٌ وعليه أن يعيدَ ترتيبَ جملةٍ من الأوراق التي خلطها ثم بعثرها، قبل أي إجراءٍ منتظرٍ من الجانب السوري، وهذه فحوى ثوابت الموقف السوري التي يرتبك أمامها التركي ويناور عليها ويداور  بطريقة مثيرة للريبة فعلاً.
المختلفُ اليومَ في موجةِ الصحوةِ الثانية التي يبديها الجار الشمالي، هو بعض الإشارات غير العميقة التي أطلقها نحو من استقطبهم واحتضنهم من السوريين و الجنسيات المتعددة في مناطق سيطرته، إضافة إلى بعض أعمال العنف ضد السوريين في الداخل التركي، ونظن أن هذه الأخيرة منفصلةٌ عن سياق المستجدات نسبياً.. وهذه وقائعُ غير كافية لإشاعةِ أجواءِ الثقة بنيات التركي.. ليس ثقة السوريين فحسب، بل حتى المراقبين والمحللين الذين يترقبون نتائج على الأرض.. أي بطريقة “من الآخر” – وكم هو مهمٌ وحساسٌ هذا الآخر – لتكون بعده نقطة الانطلاق نحو الجديد المرتقب في العلاقة السورية – التركية.
هنا تلحُّ الكثير من التساؤلات على أذهان وعقول كل متابعي المستجدات.. أهمها يستفسر عن مدى قدرة التركي على اتخاذ قرار جريء دون موافقة الأميركي، ولو من تحت الطاولة؟
ثم إلى أي حدّ سيكون التركي حاسماً وحاذقاً في معالجة “تركته” في مناطق سيطرته.. وكيف سيتعاطى من مجتمعات وأجيال جديدة متعددة الجنسيات نمت وترعرعت برعايته وإشرافه و مباركته، كان قد استقطب أصولها و زجهم في الأعمال القتالية والتخريبية ضد الدولة والشعب السوري..؟
الواقع أن أمام السلطات التركية الكثير من المهمات الحساسة، التي عليها إنجازها قبل أن يبدأ أي حوار جاد وحقيقي مع الدولة السورية، ونعترف أنها مهمات صعبة ومعقدة لكنها من إنتاج السياسات الخاطئة التي لاذ بها الأتراك منذ بدايات الحرب على سورية، وربما كانت حساباتهم وتوقعاتهم لكن كما يقال ” يداك أوكتا وفوك نفخ”.
هامش:
النومُ المفاجئُ يباغتُ كبارَ السنّ عادةً، وهي ظاهرةٌ لا إراديةٌ خطيرةٌ بنتائجها إن كان المسنُّ يمارسُ عملاً ذا حساسية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار