أوروبا تلف الحبل حول رقبتها وبداية الرقص “إسباني”
لم ينفع أوروبا الانصياع للسيد الامريكي الذي امر بفرض العقوبات على روسيا لانها قررت الوقوف في وجه تمدد الناتو على حدودها وقامت بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، رغم ان المتضرر الاكبر من هذا الانصياع هو اوروبا التي تتنفس من خلال الرئة الروسية سواء من حيث تأمين احتياجاتها النفطية أو الغذائية، لتقوم الدول الاوربية بلف حبل المشنقة حول رقبتها وتبدا اقتصاداتها بالمعاناة من مشاكل نقص الامدادات والتضخم .
ويوم أمس خرج آلاف المتظاهرين إلى شوارع إسبانيا للاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة والوقود، التي تفاقمت بسبب الأحداث في أوكرانيا.ونُظّمت تجمعات في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد، وسط استياء اجتماعي متزايد من التضخم الذي بلغ قرابة 8% في أعلى مستوياتها منذ 35 عاماً، ما يجعل أسر كثيرة تواجه صعوبات لدفع فواتيرها.
كما اتجه الألمان إلى استعمال الزيوت النباتية لتشغيل سياراتهم بسبب الارتفاع الهائل في أسعار الوقود، و هذا ما دفع الدول الاوربية إلى القيام بتوجيه مواطنيها إلى التقليل من استعمال مركباتهم إلا للضرورة واستعمال الدراجات الهوائية والمشي والتفكير بتحديد ايام لسير المركبات ذات الأرقام الفردية وأخرى للزوجية..!
وذكرت تقارير البنك الدولي أن الحرب أربكت الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق، وأضعفت من ثقة المستثمرين والمستهلكين في النشاط الاقتصادي العالمي، وسط ارتفاع تكاليف أسعار السلع الأساسية ومنها الطاقة والغذاء، وارتفاع تكاليف المعيشة للعديد من الأسر حول العالم.
وفي ظل تطورات الحرب الحالية، من المتوقع انخفاض الناتج الإجمالي العالمي بأكثر من 1% في عام 2022، مع استمرار تراجعه خلال عام 2023.
كما شهدت أسعار النفط ارتفاعاً قوياً في ظل التطورات الأخيرة؛ حيث صعدت أسعار خام برنت لأعلى مستوياتها منذ عام 2008، لتسجل قرابة 130 دولاراً للبرميل في الأسبوع الثاني من آذار الحالي ، فيما تم تداول 200 عقد آجل لخام برنت تسليم ايار في البورصة الأوروبية عند مستوى 200 دولار للبرميل.
وكذلك الأمر بالنسبة للغاز الطبيعي وارتفعت أسعاره في أوروبا مع تنامي المخاوف وعدم اليقين بشأن مستقبل إمدادات الغاز الروسية عبر خطوط الأنابيب إلى الأسواق الأوروبية، خاصة مع تعليق ألمانيا المصادقة على تشغيل خط “نورد ستريم 2″، مع توقع أن تشهد أسعار الغاز موجة جديدة من الارتفاعات، خاصة مع زيادة إقبال المستهلكين الأوروبيين على شراء المزيد من شحنات الغاز الطبيعي المُسال من السوق الفوري، لضمان تأمين مخزونات كافية.
ومنذ بداية الأزمة الأوكرانية، شهدت أسعار القمح ارتفاعاً حاداً بنسبة بلغت 40% لتصل إلى 396 دولاراً للطن، وهو أعلى مستوى لها منذ 14 عاماً، فيما ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 21% نتيجة لتعطل حركة الصادرات الزراعية من أوكرانيا، ومن المتوقع حدوث زيادات إضافية في تكلفة الغذاء على المستوى العالمي، خاصة مع ارتفاع أسعار الأسمدة مع زيادة أسعار الغاز الطبيعي، واحتمالية تعطل إمدادات الأسمدة من روسيا.
وفي مجال السياحة فقد أدت الحرب إلى حظر واسع للطيران في كل من روسيا وأوكرانيا، واغلاق عدة دول لمجالها الجوي أمام الخطوط الجوية الروسية، ما تسبب في إنشاء مناطق محظورة ضخمة وزيادة وقت الرحلات الجوية الدولية؛ وهو ما سينجم عنه حدوث زيادة في التكاليف التشغيلية لشركات الطيران الروسية بحوالي 25 ألف دولار لكل رحلة ذهاباً وإياباً، و ألغت كبرى الشركات السياحية البحرية جميع رحلاتها المستقبلية إلى روسيا، الأمر الذي قد يعيد تشكيل خريطة الطيران والسياحة عالمياً.
وتأثرت أيضا سلاسل الإمداد العالمية لا سيما للمواد التي تمر عبر البحر الأسود الذي اصبح منطقة مرتفعة الخطورة بداية من هذا الشهر، مما أدى إلى رفع أقساط التأمين المطلوبة لشحن البضائع، وتأخر الشحنات، وازدحام الموانئ.
واصبحت صناعة السيارات مهددة بتعطيل خطوط إنتاجها بسبب ارتفاع مخاطر نقص الرقائق بين شركات صناعة السيارات في روسيا، حيث تعتبر الأخيرة ثالث أكبر مورّد في العالم للنيكل المُستخدم في صناعة بطاريات الليثيوم، كما توفر 40% من البلاديوم.
في حين يأتي 90% من مواد النيون المطلوبة لصناعة أشباه الموصلات من أوكرانيا، الأمر الذي يضيف المزيد من العراقيل أمام سلاسل التوريد الضعيفة بالفعل.
وهذا ما انعكس على سواق المال العالمية التي شهدت اضطراباً حاداً في مختلف الأسواق الدولية في ظل موجات بيع الأسهم العالمية وعزوف المستثمرين عن شراء الأسهم، بالإضافة إلى الانخفاض الواسع النطاق في عوائد السندات ، مع تصاعد مخاطر حدوث ركود تضخمي في العالم، حيث شهدت أسعار السلع والمعادن والطاقة والحبوب ارتفاعات قياسية وسط تراجع آفاق نمو الاقتصادات العالمية.
وتوقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا أن الحرب في أوكرانيا قد تضيف 3 نقاط مئوية إلى التضخم العالمي المُتفاقم بالفعل، بينما قد تمحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام.