رحل” وليد إخلاصي” عن عالمنا، وتركنا مع” عبد ربه” نصارع مصيرنا فوق خشبة مسرح كبير مفتوح على الاحتمال!!..
ولد صاحب مسرحية” فارس الصحراء” في “لواء اسكندرون” في العام 1935، وعاش متمرداً على الزمن، وخاضعاً له في الوقت ذاته في مدينة حلب، ليستمد قيمة الحياة، من شوارعها، ومقاهيها، وبين سكانها الذين انتمى إليهم، وباتوا يشكلون الحرف الأول لمجمل أعماله الإبداعية، والتي بلغت حدها الأقصى 45، موزعة ما بين القصة القصيرة، والمسرح، والرواية..
“عبد ربه” العامل المهمش في المسرح، لم يكن ليتخيل يوماً، بأن مديره سوف يتحول إلى مدير لأعماله، بعد أن جاءته الفرصة، وبالمصادفة البحتة، ليشغل فوق المنصة دور البطل الرئيس في المسرحية، مع إن “إخلاصي” لا يقيم وزناً للحظ، ولم يرصف دروب مسيرته الإبداعية بانتظار المصادفة، فالحياة بالنسبة إليه « قيمة لا يمكن الإحساس بها إلّا من خلال العمل والعمل المبرمج».. يتابع “إخلاصي” القول ملخصاً منهجه في الحياة كأديب: ” فأنا على الرغم من مزاجي الفني الذي يتحكم في طريقة تفكيري وطرائق كتاباتي المتعددة، فإنني مقيد إلى مفهوم طاعة الوقت، الذي اكتشفت أن الإفلات منه هو سرّ من أسرار التخلف، أما التمرد على الزمن فهو الفن”..
-فوق خشبة المسرح، يلتقي “عبد ربه” وجهاً لوجه بأحلامه الهاربة من سلسلة المعاناة التي عايشها، فيخرج عن النص المؤلف لخطوات المسرحية، ليحول مشاهدها إلى كوميديا، ويكشف من خلالها الاستغلال الذي كان سبباً في بؤسه، وقهره، واستلابه الإنساني!!..
-يقول وليد إخلاصي : “إن مختبري الداخلي ما زال يعمل، وقد لا اتهم إذا اعترفت بأن معادلات الكيمياء الداخلية مازالت مجهولة من قبلي، أعتمد كثيراً على أحلام أراها في نومي، وكثيراً ما تكون الكتابة هي الشكل الشرعي والوحيد لممارسة حريتي الشخصية.”. بطل مسرحية” فارس الصحراء” لن ينعم بتلك الحرية، فهو بعد أن حقق النجاح- غير المتوقع – بات أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الخضوع لأجل كسب المال، وإما متابعة السير في الخط الذي حاز من خلاله على الشهرة، وهو يفضح سلوك التجار والمستغلين بأسلوبه الساخر، لكن في النهاية سوف يغلب الضعف الإنساني على” عبد ربه”، ويؤثر الكسب، ويبيع نفسه للتجار، ليكون بطلاً لأفلام الإعلانات التي رفضها سابقاً!!..
– وليد إخلاصي المجدد دائماً، لن يخرج في تنوع أعماله السردية عن النسق المتعارف عليه للفانتازيا إلا نادراً، لكنه أخلص من خلاله لإيصال المعنى المضمر للحكاية الشعبية، التاريخية، المتخيلة، الاجتماعية،« فالحكاية هي أكثر الأساليب إنسانية في ربط البشر ببعضهم، وفي نقل المعرفة من طرف إلى طرف، وفي تحفيز الروح للبحث عن الحقيقة.» حيث “عبد ربه” سوف ينقلنا إلى سقوطه في المشهد الأخير من المسرحية، عندما يقرر السفر خارج البلاد بعد أن فشل في الحب، سيطر عليه المال، وسيجد نفسه ممنوعاً من المغادرة، وأيضاً ممنوعاً من العودة، فيقف على الحد الذي يفصل المكانين، ليقول: لقد وجدت مكاناً ينعدم فيه الرقيب: فلست أنت هنا، ولست هناك، ومع إن الستارة الممثل والكاتب، غابا خلف الستارة، تاركين لنا أسئلة ممهورة بالشجن والدمع، إلا أن الحكاية، حسبما جاءت في قول لإخلاصي: « تحفز في خلق الوسط الكيميائي الجمالي لدى الآخر..»
– “وليد إخلاصي” لروحك السلام..