في الوداع الأخير لـ بسام الملا
عام 1992 كان الجمهور مأخوذاً بحكاية (محمود الفوّال) حين اضطر لرهن شعرات من شواربه مقابل مبلغٍ من المال، ولأعوامٍ متتالية وفي فضائياتٍ يصعب حصرها، سيضحك المتابعون حين يستخدم (أبو عبدو) العصا لضرب زوجتيه (نزيهة) و(أم عبدو)، هكذا أصبح مسلسل (أيام شامية) للكاتب أكرم شريم والمخرج الراحل بسام الملا جزءاً من الذاكرة الشعبية المحلية، لتليه أعمالٌ اكتسبت صفة الجماهيرية ببراعة، منها (كان يا ما كان)، (العبابيد)، (الخشخاش)، (الخوالي)، (ليالي الصالحية)، وصولاً إلى (باب الحارة).
لو تُرِك لكلٍ منّا الحديث عن مشهدٍ أو تفصيلٍ، تحتفظ به الذاكرة من هذه الأعمال، لأعدنا الحكاية كما رآها وأرادها الملا، في الحارة والقهوة وحمام السوق، في الليوان وبيت المونة والسطح الملاصق لأسطح الجيران، في صباحات العيد وليالي رمضان ورحلة الحج، ولأننا تعلّقنا بالحكاية الشامية، ألصقناها بدمشق، واختلفنا كثيراً مع الملا، برغم أن الرجل لم يقل يوماً أنه يُوثق أو يُؤرّخ، لكنّ الفرجة كانت تُعادل ذلك لدى الملايين، فهل نلومه أم نلومهم؟.
إذا كانت الخسارات تُقاس بحجم الفراغ المباغت الذي يتركه أصحابها، فالخسارة هذه المرّة فادحة بمعنى الكلمة، لرجلٍ أدار لأعوام سفينة الدراما السورية، اختار لنجومها شخصياتٍ ومساراتٍ، صبغت مشوارهم وحضورهم، فأحيا صورة البطل الشعبي، وانحاز للتقاليد التي رافقت يوميات البسطاء، في السلم والحرب، من دون أن يُدينها أو يحكمها.
في هذا الصباح البارد، كما عهدنا برودة أيام الفقد، ودّع المحبّون من الفنانين ورفاق درب الراحل وبعض الجمهور المخرجَ بسام الملا إلى مثواه الأخير مُشيَّعاً من أمام مشفى الأسد الجامعي إلى جامع الأكرم، ووريَ الثرى في مقبرة بئر السبيل الثانية، وفي الذاكرة الكثير من الامتنان والألم… له الرحمة والعزاء لكل من تابعوا دراماه وصدقوها.