شجاعة المحبة
يؤكد المختصون في علم النفس أنه لا يوجد فارق كبير بين الشخصين الشجاع والجبان، مضيفين: إن الشخص الجبان يصغي لمخاوفه ويتبعها، أما الشخص الشجاع فيترك هذه المخاوف جانباً, ويمضي قدماً نحو المجهول رغم كل المخاوف.
ذلك هو الاختبار المطلق للشجاعة، إنه عدم الخوف، ففهم الحياة هو محاولة عيشها وتفهّم الحب هو تقدّم نحوه وانبثاق معرفة ناتجة عن التجربة، تلك المعرفة تهدم الغموض، وكلّما عرفنا أكثر ندرك أن هناك أشياءً كثيرة تتطلب جهداً إضافياً لاكتشافها والتعرف عليها، فالحياة إذاً يجب أن تُعاش وتُحبّ وتُختبر بحلوها ومرها، والشجاعة أن يجاهد المرء نفسه ليتخلص من التعاسة التي تشكّل ظلاً للإنسان، ذلك يحتاج لجهد يحتاج لشجاعة متميزة للتخلص من أقدم عادة للعقل البشري وخسران أطول صحبة.
وكثير من الناس يشترطون لأن يحبوا, وهذا خطأ دارج وفادح يجب ألا نقع فيه، فأنا أحب من أجل الحب، أحبّ الآخر كما هو، أقبله كما هو، أتفاعل معه كما هو، أسامحه كما هو، أبذل نفسي وإمكاناتي من أجله كما هو، بذلك أكون قد عشت الحب النقي الخالي من كل مصلحة وخلفية، بذلك أربّي نفسي وأنقل هذه التربية إلى الدائرة الأوسع بدءاً من الأسرة وانتهاء بالمجتمع المحيط، وبذلك أكون قد ساهمت بهدم جدران وهمية مفتعلة من قبلي ومن قبل الآخرين كما أهدم جدران الخوف الوهمية تجاه الآخرين بفتح قلبي وعقلي للآخر وتقبلي له كما هو.
ذلك لا يحصل بين عشية وضحاها، بل يحتاج إلى تدريب نفسي مقرون بجهاد للنفس، وبذلك أتخلص رويداً رويداً من حالة الشعور بعدم الاتصال مع الوجود الناتج عن تربية خاطئة يجب أن أتخطاها وأتخلص من مفرزاتها بأن أنزع من داخلي الحقد ومفرزاته وآثاره المدمّرة للفرد والمجتمع، وأزرع عوضاً عنها الحب الذي ينبت الانفتاح على الآخر والالتصاق به وقبوله وسماعه ومناقشته وتفعيل فكري وفكره والخروج بنتائج فكرية إيجابية تنعكس إيجاباً على الفرد والمحيط والمجتمع.
فلنتخلص من الخوف من الآخر ونزرع الثقة معه ولنتشبث بالحب لأجل الحبّ الذي هو نور ونتخلّص من الخوف الذي هو ظلام.
فالحب حالة وجود، والإنسان محبة كما أن «الله محبة»، ولنجاهد أنفسنا لنكون الحبّ ذاته.