الشعر الفكاهي مرآة النفوس وحكمة الشعوب
إن أكثر الشعر العربي فكاهة وسخرية، إنما يقوم على خرق المحظورات، ويبدو أن القدماء كانوا من السماحة واتساع الأفق مما جعلهم يبررون ذلك تبريراً منطقياً وواقعياً.
وضروب الشعر الفكاهي التراثي متنوعة، تبدأ بالسخرية من الذات أو التهكّم على حالها، وتنتهي بنقد المجتمع وفضح المسكوت عنه من وراء قناع كوميدي مروراً بفنون الهزل والعبث ومنطق اللامنطق، إلى جانب فنون أخرى كالدعابات والمعارضات الشعرية الساخرة، فمن دعابات «أبي دلامة» في الشعر الفكاهي قوله: خرج الخليفة المهدي العباسي وعلي بن سليمان في رحلة صيد في ضواحي «الرقة» السورية، فلما جرت الخيل وأرسلت الكلاب رمى الخليفة المهدي سهماً فأصاب ظبياً، ورمى علي بن سليمان سهماً فأصاب بعض كلابه فقتله، فقال «أبو دلامة» مضحكاً الخليفة المهدي:
قد رمى المهدي ظبياً شق بالسهم فؤاده
وعلي بن سليمان رمى كلباً فصاده
فهنيئاً لهما، كل امرئ يأكل زاده
فضحك الخليفة المهدي حتى كاد يسقط من على سرج حصانه.
ومن المعارضات الساخرة في الشعر الفكاهي ومن أشهر الشعراء في هذا المجال «أبو الحسين الجزار، سراج الوراق، ابن دانيال الكحال، ابن المعمار.. وغيرهم» ومثال ذلك معارضة الجزار لمعلقة امرئ القيس الشهيرة في قصيدة طويلة على غرار المعلقة يصوّر فيها حاله ومطلعها:
قفا نبكِ من ذكرى قميص وسروال
ودراعة لي قد عفا رسمها البالي
ومن المعارضات الشهيرة أيضاً التي تغنّى بها ابن سودون المصري (810-860) في العهد المملوكي، في ديوانه «فن الخداع»، يقول:
الأرض أرض والسماء سماء
والماء ماء والهواء هواءُ
والبحر بحر والجبال رواسخ
والنور نور والظلام عماءُ
والحرّ ضدّ البرد قول صادق
والصيف صيف والشتاء شتاءُ
وقال ابن قتيبة: سمع كسرى الشاعرَ الأعشى وهو ينشد فقال: من هذا؟ فقالوا: مغنّي العرب، فأمر أن يغنّي فأنشد:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق
وما بيّ من سُقم وما بيّ معشقُ
فقال كسرى: فسّروا لنا كلامه: فقالوا: إنه سهر من غير مرض ولا عشق، فقال: كسرى: إن كان قد سهر من غير مرض ولا عشق فهو لص.
وفي ختام الحديث عن تراثنا الضاحك نقول مع القائلين بحق: إن الشعر الفكاهي مرآة النفوس وحكمة الشعوب وروح الأمم الحيّة.