وليد معماري… يكتبُ قوسَ قُزحه الأخير بِحبِرِ الغياب!
الروح قادرةٌ، الجسد حزين
الروح فرحة، الجسد واهن
الروح تريد، الجسد زاهد
الروح منتظرة… الجسد خائب
وحدها اللحظة الخاطفة بين التماعاتِ ابتسامة راغبةٍ بالحياة، وبين حُزنٍ شفيفٍ يقطرُ في الكأس أمامه، وحدها هذه اللحظة هي الدليل الفاقع في وضوحه على أن الإنسان هو ابنُ الموت مهما طال به العمر، ومهما عاندَ أقداره، ومهما رغِبَ بالخلود!
في زيارتنا منذ حوالي السنتين(الأستاذ محمد البيرق رئيس تحرير صحيفة تشرين الأسبق، الزميل زيد قطريب، الزميل بديع صنيج، وأنا) في زيارتنا للأستاذ وليد معماري وابنه الزميل العزيز خالد معماري إلى بيتهم الكريم، كنا نضحك ونثرثر ونتبادل النكات بحضور الراحل المخرج ريمون بطرس الذي تغلّب علينا جميعاً بشهوته على أن يعبَّ من الحياة أكبر قدر ممكن من البهجة، وأن يعيدها لنا مضاعفةً بقهقهة عالية ممزوجة برائحة اليانسون.
فكرتُ يومها وأنا أنظر إلى هدوء ورزانة الأستاذ وليد، ورقّته، وألفة صوته الهادئ وهو يستدعي الذكريات… أنّ أعظم شيء في الحياة هو أن تزورَ شخصاً مُتعباً أو مريضاً لتقولَ له إنّك تحبُّه، لكنْ في الوقت نفسه فكّرتُ في أن هذه الزيارة هي التأكيد المؤذي على أنّ من نحبُّهُ واقفٌ أو قريبٌ بشكل أو بآخر إلى الطرف الآخر من الحياة.
لربّما كان الاكتفاء بالصوت عِبر التلفون أجملَ أو ربما رسالةً تتركه يشردُ في حروفها وتكويناتها بما يُنسيه للحظات ألمه وتعب السنين الطويلة في مهنةٍ مطحنةٍ مثل الصحافة، أو ربما نكتة خفيفة تذكّره بشبابه وشقاوات الأيام الخوالي… لكنني وبعد ما أولمَهُ لنا الأستاذ وليد وابنه من محبّة، وما أشعلنا به السهرة من أغانٍ وموسيقا وحكايات وذكريات… تأكّدتُ أن الحبَّ الواصلَ إلى القلب عبر العيون هو الأنسبُ، وأنَّ الصوتَ الذي يوصِلُ الروحَ محمولةً على ضحكةٍ مؤنسةٍ هو الأقربُ للقلب لحظة وداع… وربما هو الأكثر ألماً للحظة خاطفة؛ لكنه أعمقُ من التراجيديا المتفجرة بعواطفها وبكائياتها وحسراتها المبطنة.
هامش صغير: يومَ أرسلَ لي الأستاذ وليد رأيه بي، من دون أن أعلم أو أطلب، مكتوباً برسالة وصلتني عن طريق الأستاذ محمد البيرق (الصورتان المرفقتان)… قفز قلبي من مكانه وتعلّق بأحرف الرسالة، وتهيّبتُ للحظة من المسؤولية الكبيرة التي حمّلني إياها بهذا الكلام، وتذكّرت نصيحة والدي الدائمة: “احذرْ يا بنيّ أنْ تتزحلقَ بقشرةِ موزِ المديح!”… ولكنْ يا أبي الحبيب هذا ليس مديحاً عابراً أو مجّانيّاً أو عاديّاً… إنه شهادة من “أبو خالد” الأستاذ وليد معماري… سأفتخر بها إلى الأبد.