لا تنه عن خُلقٍ..
لا يستقيم عمل أي جهة عامة مهما توافرت لها الإمكانات المادية إلا بكفاية الكوادر البشرية، وهنا لا يخفى على أحد النقص الحاصل بتلك الكوادر نتيجة التسرب في السنوات الفائتة، وما فاقم المشكلة أكثر التراجع بأداء بعض من بقي على رأس العمل.
وفي هذا المنحى قد تستفزك مفارقات لا تحتمل، ومثالها ما دار مع أحد الأطباء خلال تواجدنا بإحدى الجهات العامة حول أهمية دوام الأطباء وخاصةً في المشافي، حيث إن البعض منهم بالكاد يحضر لساعتين أو ثلاث بالأسبوع وخلالها قد يتهرب من أي عمل، لكن الطبيب دافع بالقول: إن دوام الأطباء مقبول مهما قصر وخاصةً مع ضعف الأجور، ولا يمكن الضغط لإلزامهم بالدوام كيلا «يطفشو» فتخسرهم جهاتهم، وهنا أجمع الجلوس «فليطفشوا» لأنه في الحالتين لا فائدة منهم.
ثم سأله البعض: هل يقبل أي من الأطباء تغيب المعلمين عن مدارس أبنائهم ولا يعطون بضمير بمسوغ ضعف الراتب؟ فارتبك وتهرب من الإجابة لأنه لا يمتلك حجة للتبرير، ثم جاء أكثر الطروحات أهميةً والمتمثل أن هناك هدفاً آخر غير المعالجة من وراء دوام الطبيب ألا وهو التعليم الذي يعد بمثابة الدَين في رقبته، فكما تعلم وهو مقيم في المشافي العامة على يد أطباء اختصاصيين ونال الشهادة التي خولته مزاولة الاختصاص، عليه رد الدين بتعليم المقيمين الحاليين ليتمكنوا من إتقان اختصاصهم.
انتهى النقاش بعد موجة من المشاحنات، لكن ما ينبغي التنويه له أن مثل هذه الحالة تبرز في أكثر من جهة، فالكثير من المستهترين بعملهم ودوامهم الوظيفي.. تجدهم عند تأخر إنجاز معاملة أو خدمة تخصهم لدى جهة عامة أخرى بسبب تأخر الموظف المعني عن الدوام أو انصرافه باكراً.. يقيمون الدنيا ولا يقعدونها مع إطلاقهم لوابل من الاتهامات من قبيل: ما هذا التسيب والاستهتار وأين المسؤولون مما يحدث؟ متناسين أنهم من رؤوس المتسيبين وظيفياً.
في المحصلة..
إن صلاح المجتمع من صلاح أفراده، ما يعني أنه علينا جميعاً التحلي بالمسؤولية وحسن الأداء والالتزام كل في موقعه الوظيفي، وذلك لما فيه فائدة متبادلة قد نخفف من خلالها وطأة الظروف الصعبة عن بعضنا البعض..
ونستشهد هنا بالشطر الأول من بيت شعر يعبر بإيجاز عما سبق: لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتي مثله..