أمريكا والديون العالمية وقرع طبول الحرب العالمية
تعاني الكثير من دول العالم من زيادة عبء الديون الخارجية عليها، وقد تجاوز حجم الديون قيمة الناتج المحلي الإجمالي، ولهذا تأثيراته السلبية وخاصة تداعياته في الدول المتطورة اقتصادياً ونتوقع أن سقف الدين الأمريكي يحمل في طياته بذور حرب اقتصادية عالمية قد تتطور إلى حرب عسكرية بالوكالة وتزداد بؤر التوتر العالمية، حيث وصل حجم الدين الحكومي الأمريكي حتى 30/9/2021 مبلغ /28،4/ تريليونات دولار، وهذا التاريخ هو تاريخ إعداد الموازنة السنوية الامريكية للعام القادم، وإذا لم تأخذ أمريكا قراراً برفع سقف مديونيتها فإنها ستصبح مثل الدول النامية من ناحية التخلف عن سداد ديونها، وهذا سبّب خلافات كبيرة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول سقف الدين والذي يعبّر عن الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للحكومة الأمريكية اقتراضه لتغطية نفقاتها التي تزيد على الإيرادات السنوية المحققة، وبالتالي لاتستطيع الدولة الأمريكية تجاوزه، وقد تم وضع هذا التشريع المالي الأمريكي منذ أكثر من /100/ سنة، ولا تتوقف مشكلة الديون التي تشبه ( كرة النار المتدحرجة ) أي أنها كلما تدحرجت وانتقلت، كبرت، والموضوع لا يتوقف عند أمريكا بل يتعداها إلى دول متطورة و أشار تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي في شهر أيلول سنة /2021/ أكد فيه أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أصبح خطيراً جداً ، فقد بلغ في اليابان بنسبة /234%/ وفي اليونان /182%/ وفي إيطاليا /128%/ وفي البرتغال/118%/ وفي فرنسا /98%/..الخ ، ولكن الخطورة تكمن في كيف ستتصرف الإدارة الامريكية بعد أن ارتفع دينها إلى /28.4/ تريليون دولار تشكل إلى ناتجها الإجمالي لسنة /2021/ والبالغة قيمته /22.1/ تريليون دولار أي بنسبة أكثر من /129%/ ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن قيمة الدين على الحكومة الأمريكية سنة /1990/ كان مقدار /2/ تريليون دولار تشكل /50%/ من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الكلي، وكثير من الاقتصاديين يؤكدون بأن أمريكا أصبحت مدمنة للاستدانة من الخارج بسبب ميلها الاستهلاكي أكثر من الإنتاجي، والسؤال هو كيف ستسدد ديونها ؟، ولا سيما أن أمريكا لها أكبر عجز سنوي في موازنتها السنوية وقد بلغ لسنة /2020/ بحدود /3،1/ تريليون دولار تعادل أكثر من /11%/ من إجمالي الديون الأمريكية، فما هو مصير هذه الديون ؟!
و هل سينعكس هذا سلباً على الدول التي ربطت عملتها بالدولار الأمريكي، فهل هذا يساعد في ولادة عملة عالمية جديدة، وهذا دفع وزيرة الخزانة الأميركية السيدة (جانيت يلين) أن حذّرت من كوارث مالية محتملة قد تلحق بأمريكا في حال لم يرفع سقف الدين ولم تتمكن الولايات المتحدة من سداد ديونها مع حلول المهلة المحددة، وخاصة أن الاقتصاد الأمريكي يشهد معدلات تضخم مرتفعة لم يشهدها سابقاً ووصلت على حدود /8%/ بعد تفشي وباء كورونا سنة /2021/، ومع اجتماعات مجلس الشيوخ العاصفة تم مؤخراً الاتفاق على رفع سقف الدين العام بمقدار /480/ مليار دولار، وصوِّت لمصلحة القرار /50/ عضواً من مجلس الديموقراطيين وصوت ضده /48/ سيناتوراً من الجمهوريين وامتنع /2/ عن التصويت، وبعد خروج القرار من مجلس الشيوخ إلى مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون فإنه بالتأكيد سيتم التصويت على القرار ثم يحال إلى الرئيس جو بايدن للتصديق عليه، إذ كل الوقائع تؤكد أن أمريكا تمول نفقاتها عن طريق الاستدانة الخارجية، وهذا يذكّرنا بالوضع الاقتصادي لألمانيا قبل وبعد الحرب العالمية الأولى سنة /1914/ ومع زيادة الاقتراض والمديونية وخاصة من بريطانيا وفرنسا تم التمهيد لظهور الفاشية الألمانية، ودفع الحكومة الألمانية على إلغاء المعيار الذهبي (قابلية تحويلها العملة إلى الذهب)، وعندما طالبت لجنة التعويضات عن ( خطة سداد لندن ) سنة /1921/ وتضمنت إلزام ألمانيا بدفع المديونية بالذهب أو العملات الأجنبية على أقساط سنوية تبلغ ملياري مارك ذهبي بالإضافة إلى 26٪ من قيمة الصادرات الألمانية ، ومع سداد الدفعة الأولى والمقدرة /132/ مليار مارك ذهبي وعلى المانيا ان تدفع /50/ مليار لكن بالعملة الصعبة، ومع تنفيذ ذلك انخفض سعر المارك الألماني فارتفع ليصبح /330/ مارك للدولار ومن ثم أصبحت تكلفة طباعة النقود أعلى من قيمتها، وكانت النقود الورقية الألمانية تستخدم للتدفئة لأنها أرخص من الحطب والفحم وخاصة سنة /1923/ ، وتؤكد بعض الدراسات أن سعر رغيف الخبز سنة /1922/ كان /160/ ماركاً المانياً وأصبح في نهاية سنة /1923/ بسعر /200/ ألف مارك!، وكان سعر الدولار في منتصف سنة /1921/ بحدود /90/ ماركاً وارتفع خلال أقل من /2/ سنة إلى أكثر من / 4/ ملايين مارك، وبدأت المشاكل تتفاقم حتى وصلت الى الحرب العالمية الثانية، فهل تقدم أمريكا أمام مديونيتها للحرب أم لتحويل العالم إلى بؤر توتر أم تخفض من قيمة عملتها لتسدد ديونها وكلها احتمالات سيئة وممكنة!