ما بَرَحَ عالَمُ الأزياء الإبداعي يكونَ جانباً مهمّاً من جوانب الإنتاج الدرامي ورُكناً أساسياً في إنشاء الشخصية ودعم السياق الخاص للعمل، إضافة إلى مساعدة الجمهور على فهم المعلومات المتعلقة بالزمن والشخصية والأداء والمنطقة الجغرافية. في مكانٍ قصيّ أو عهد سلف، حقيقييْن أو خيالييْن، يتعاون مصممو الأزياء مع المخرج وفريق العمل لتقديم القصة بأبهى حلة، كي يسدلوا على الممثلين نبضهم الحيويّ.
لمساتٌ سحرية حاكت المشاهد بألق وغزلت الصورة بخيوط منٍ حرير لضيفين من أهم مصممي الملابس السوريين في الأعمال الدرامية استضافتهما صحيفة «تشرين» لنحظى مع ندى العلي وحكمت داوود بحوارٍ غنيّ عن شغفهما بعالم الألوان والأقمشة الذي فاض عبر الشاشات وانسكب في الأفئدة.
حبٌّ وشغف
بزغ شغف ندى العلي بعالم الأقمشة منذ الصغر «متأثرةً بأمّي مصممة الأزياء في مديرية المسارح والموسيقا» حتى أمسى تصميم الأزياء بأقمشته وألوانه وإكسسواراته حلماً تمكنت مصممتنا من تحقيقه بجدارة عبر أعمال درامية تاريخية وفنتازيا وبدوية وشامية واجتماعية نذكر منها: الكواسر، البواسل، آخر الفرسان، بقايا صور، جمال عبد الناصر، نساء من البادية، منمنمات اجتماعية، القعقاع، ما ملكت أيمانكم، الزعيم، صبايا، زمن البرغوث، عطر الشام، طوق البنات، الرابوص، بروكار… وغيرها الكثير من المسلسلات والمهرجانات.
«الأزياء فلسفة تغلغلت في ضمير الشعوب، هويتها وعمق عاداتها وثقافتها، فمن خلال الأزياء يستطيع المرء تحديد الشخصية والتعرف إليها وإلى بيئتها ومركزها الاجتماعي وفقرها وغناها» هكذا استهل حكمت داوود حديثه مع «تشرين»، متذكراً بمحبة المسلسلات والمسرحيات والأفلام السورية والأجنبية التي صمم أزياءها المميزة: ضيعة ضايعة- باب الحارة- ليالي الصالحية- وردة شامية- بقعة ضوء- ترجمان الأشواق- الواق واق- سوق الحرير- ضبّو الشناتي- نيران صديقة وحارة القبة. وأخيراً أكملتُ عمل «ليلة السقوط في كردستان العراق» إخراج ناجي طعمة، والذي يتناول دخول إرهابيي «داعش» إلى الموصل وسنجار والفظائع التي ارتكبوها.
التحضيرات للعمل
«بالبداية أقرأ النص أو السيناريو بعناية وأتمعن بشخصيات العمل ثم أبدأ برسم زي كل شخصية بمخيلتي» تُكمل المصممة ندى العلي حديثها وتضيف: وذلك بعد النقاش مع المخرج ومعاينة أرض الواقع باختيار الأقمشة والألوان لكل شخصية بما يناسبها، أما الإكسسوارات على الزيّ فهي التي تعطي طابع الشخصية ولا تقل أهمية عنه كما الملح والتوابل.
أما المصمم حكمت داوود فيرى «في البدء كانت الكلمة… لدينا النص كهيكل للعمل الفني وبوصلة الطريق الصحيح، فبقدر قراءتك ما بين السطور تتقرب لشخصيات العمل وتفهم علاقاتها ببعضها» في سبيل تشكيل لوحته الفنية المتناسقة منتقلاً للأمور التقنية والخياطة وإضافة المكملات الجمالية كي تظهر الشخصية بقالب مناسب.
نجاح متكامل
توضح ندى أن ثقة المخرج المطلقة بالمصمم وإبداعه مضافة إليها ثقة المصمم بنفسه وإطلاق العنان لمخيلته مع الجرأة بانتقاء الألوان والتصاميم التي تخدم العمل وشخصياته بعيداً عن النمطية والتقليد هي ما تحقق النجاح الحقيقي.
أما داوود فلا يعتقد «أن هناك مصمماً ناجحاً من دون منظومة عمل متكاملة ومتعاونة في مجمل العمل بدءاً من النص والكاتب وانتهاء بأصغر التفاصيل الفنية».. فنجاح الأزياء وفق تعبيره يشترط التناسق مع الفترة التاريخية التي يتناولها النص ليخلق حالة جمالية وبصرية كاملة.
نقلة نوعية
النقلة النوعية لندى العلي حدثت بمسلسل الفنتازيا «الكواسر» للمخرج الكبير نجدت إسماعيل أنزور والكاتب هاني السعدي، وذلك للشهرة الكبيرة والانتشار الواسع الذي حققه المسلسل على صعيد سورية والوطن العربي، كما كان للملابس وألوانها المختارة بعناية دور مهم من حيث التصاميم الجديدة والغريبة وغير المألوفة.
«تكمن الشهرة والتألق بمدى حبك وتفانيك في عملك» هكذا وضّح داوود وجهة نظره بالشهرة التي وفق تعبيره ليست عود ثقاب تشعله في الظلمة لمرة واحدة ..«التألق والشهرة عملية تراكمية تخضع لمدى العمل المبدع والحب الذي تقدمه للآخرين، محرقاً أصابعك في سبيل إبقاء الشعلة متقدة في مسيرتك الفنية».
و«عندما يكون المخرج والكاتب على ثقة بعمل مصمم الأزياء..» على حد تعبير المصممة ندى العلي، لا يتم التدخل بعمله في معظم الأحيان «بالنسبة لي فإنني أكون موفقة بخياراتي لأزياء الشخصيات»، وهذه فكرة يتوافق معها حكمت داوود الذي يرى النص العماد الرئيس لأي عمل فني، يقول: «أقوم بنحت هيكل النص واستخلاص القيمة المبتغاة من الشخصية، أتمم نقاشاتي مع فريق العمل حول شكلها وقوامها لترى النور عبر الشاشة بالصورة الصحيحة».