الباحث الاقتصادي بدران: المشاريع المتناهية الصغر تستهدف معدومي الدخل

بيَّن الباحث الاقتصادي شامل بدران جدوى الأهداف التي اعتمدتها الحكومة ضمن أولوياتها للمرحلة المقبلة لدعم المشاريع الصغيرة متناهية الصغر ضمن محاضرته التي ألقاها في المركز الثقافي العربي في الميدان اليوم الثلاثاء بعنوان: (استراتيجية الحكومة 2021 و المشاريع الصغيرة)، مركزاً على أهمية تهيئة البيئة الاستثمارية في مختلف القطاعات وتحسين الواقع المعيشي و الخدمي بما ينعكس إيجاباً على زيادة الإنتاج واستثمار الموارد الذاتية وإدارتها بالشكل الأمثل.
و تطرق إلى ما اعتمدته الاستراتيجية الحكومية من توسيع قاعدة المشاريع المتوسطة والصغيرة وتقديم حزمة تسهيلات لتعزيزها وتوسيع التعاون والتشاركية مع المجتمع المحلي ومنظماته واتخاذ خطوات لتصحيح المسار اقتصادياً واجتماعياً كتحقيق العدالة والإصلاح في السياسة الضريبية وتفعيل عمل مؤسسات التدخل الإيجابي ومكافحة الفساد وتصويب آلية الدعم ووصوله لمستحقيه والتوسع بالخدمات الإلكترونية.
وعدَّ بدران أن دعم و تطوير و ديمومة المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أهم ركائز التنمية الاجتماعية والاقتصادية لما لها من دور هام فيها و منع تفاقم مشاكل الفقر والبطالة والعلاقة الوثيقة بين هذه المنشآت وتوظيفها الذاتي لتحقيق فوائد أثبتتها تجارب بعض الدول كخلق فرص العمل و رفع الطاقة الإنتاجية و المستوى المعيشي لأصحابها وزيادة القيمة التصديرية، وتالياً زيادة معدل الناتج المحلي والنمو والموازنة العامة.
وحول واقع المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر في بلدنا للعام الحالي أشار بدران إلى استمرار عمل هذه المشاريع برغم المعوقات الاقتصادية و التمويلية وصعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج بسبب الحرب على سورية منذ عام 2011.
حيث أظهرت المؤشرات الاقتصادية التي ذكرها الباحث في سياق دراسته الأثر السلبي في تراجع معدل النمو الاقتصادي و الناتج محلي وكذلك فيما يتعلق بارتفاع معدل البطالة وبلوغ العجز في الميزان التجاري وارتفاع قيمة المستوردات أغلبها حوامل طاقة و غيرها وتبدل كبير ومتسارع في المؤشرات الديمغرافية للأسر بسبب النزوح و الهجرة بفعل الإرهاب.
وفي إشارته إلى صعوبات يعانيها قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة كشف بدران عن إشكالية غياب قاعدة بيانات تتعلق بحجم المشروعات ونشاطها ومساهماتها في الناتج المحلي والإجمالي حيث تشكل المشروعات الكبيرة في سورية ما نسبته 1٪ و المتوسطة والصغيرة 34٪ ومتناهية الصغر 65٪ وهي التي تستهدف الشرائح الفقيرة جداً وتمويل مشاريعهم لإقلاعها خاصة في الأرياف، معتبراً انضواء تلك المشروعات تحت مصطلح (اقتصاد الظل) لعدم وجود آليات تضبط هذا القطاع الغير المنظم ونقص الوعي المصرفي والتمويلي لأصحاب المشاريع و عدم القدرة على تأمين الضمانات البنكية، وضرورة تعديل جزئي لضوابط التمويل بما يتوافق مع طبيعة المشروعات الصغيرة، مؤكداً سلبية عدم توافر مؤشرات المعوقات الرئيسة أمام تنافسية هذه المنشآت من ناحية البيئة الاستثمارية والسياسات الحكومية والأسواق الخارجية.
من جانب آخر لفت بدران لأهمية القانون 8 لعام 2021 الذي يسمح بتأسيس مصارف التمويل الأصغر و يعدّ بوابة لتحسين الوضع المعيشي للفئات ضعيفة الدخل بمنحهم القروض التشغيلية للأفراد المنتجين لأكثر من 15 مليون ليرة مع إعفاءات غير مسبوقة وتحركهم لبناء مشاريعهم وورشاتهم وأعمالهم الصغيرة واستدامتها حتى تنمو وتساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني رغم الإجراءات القسرية أحادية الجانب الجائرة المفروضة على سورية.
وعدَّ في معرض حديثه أن مشكلة التمويل في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي حصة الإقراض لهذه المشروعات البالغة 4٪ من التسهيلات المصرفية مقارناً إياها عربياً بنسبة 8٪ مبيناً معوقات تعترض المصارف التقليدية لعدم تعاملها مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بحجة ارتفاع نسبة المخاطرة واشتراط التزام المستفيد بنسبة مساهمة لا تقل عن 50٪ من التكلفة الاستثمارية وهو أمر متعذر لكثيرين من أصحاب هذه المشاريع.
وطرح بدران في سياق دراسته أمثلة عن مؤسسات باشرت التمويل الأصغر كبنك الإبداع للتمويل الصغير والمتناهي الصغر بسقف إقراض 8 ملايين ليرة ومؤسسة الأولى للتمويل الصغير (الآغا خان) بسقف 20 مليون ليرة والوطنية للتمويل الأصغر بسقف 2 مليون ليرة، حيث بلغ إجمالي الإقراض لغاية العام 12 مليار ليرة لـ( 80) ألف مستفيد.

ونحو رؤية تنموية وفعالة لتطبيق القانون الجديد ركّز الباحث على ضرورة وضوح ودقة التعليمات التنفيذية وتحديد الفئات المستهدفة وفق آليات وتطبيقات برمجية حديثة للأسر والمنشآت والمشروعات وبمتابعة وإشراف المصرف المركزي وتأمين الدعم التقني والإداري والقانوني والتمويل اللازم وبناء شبكة مصرفية حديثة للوصول للمقترضين وتقييم مشاريعهم ومتابعتها من التأسيس وحتى الإنتاج والتسويق وتوجيه الإقراض نحو القطاع الزراعي والتصنيع الذي تعتمده الحكومة حالياً كحامل أساسي لتخطي إجراءات الحصار الأمريكي الجائر ودعم الأسر المحتاجة مما يقتضي توجيه مؤسسات التمويل الأصغر لحشد الموارد وفق مصلحة الاقتصاد الوطني الحالي ولما بعد الحرب على سورية مع اتخاذ الإجراءات النقدية والمالية والاقتصادية المتكاملة لبناء قطاع منتج تساهم فيه مؤسسات التمويل الأصغر بشكل فاعل لمعالجة مشكلة التضخم الحاصل.
وختم بدران بمقترحات مستقبلية تتمثل بدراسة البيانات المتعلقة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة عبر وضع استراتيجية حقيقية للانطلاق نحو هيكلية جديدة تعتمد على الصناعة التحويلية والزراعة وإعادة التوزع الجغرافي للمنشآت الاقتصادية وعدم تركزها فقط في دمشق وريفها وحمص وحلب وإعادة إصدار القوانين والتشريعات العصرية لتبسيط إجراءات منح التراخيص والاستفادة من ريادة الأعمال مع وضع صيغ جديدة لتلاقي إبداعات رواد الأعمال مع الممولين.
و أخيراً تطوير العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار و الإقليمية وحماية المشروعات متناهية الصغر وتصدير منتجاتها بدون حلقات وسيطة.
و تركزت مداخلات الحضور حول تعزيز آفاق عمل هذه المشاريع و استخدام التقنيات الحديثة فيها.
حيث دعا عضو مجلس الشعب حكمت العزب لوجود رؤية حكومية واضحة تجاه هذه المشاريع و اقتراح منح قروض تشغيلية بفائدة مخفضة جداً و إجراءات ترخيص سهلة بإعفائهم مثلاً لمدة عام من التعقيدات الإدارية حتى ينطلق المشروع وينظم بعد ذلك لتحقيق اكتفاء ذاتي ينطبق حكماً على مشاريع الزراعة.
بدورها مديرة المركز الثقافي في الميدان ليلى صعب أكدت على ضرورة توجيه القروض لأصحابها و أتمتتها باختصار إجراءات البدء بالعمل و زرع ثقافة العمل و الإنتاج و اقتباس الحلول لتلافي السلبيات مع التنسيق الدائم بين الجهات المعنية و دعم هذه المشاريع خاصة في الريف لجدواها الأكبر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار