في الواقع -انتبهوا لكلمة (الواقع)- بمجرد أن خرج بومبيو من وزارة الخارجية الأمريكية إثر هزيمة معلمه ترامب في الانتخابات انتقل الوزير “الثقيل” كما وصفه السيد حسن نصر الله، من ممارسة عمل وزير الخارجية في الإدارة الأميركية إلى عمل جديد «واقع جديد» محلل سياسي وإستراتيجي في قناة فوكس اليمينية، ورأى العارفون بهذا الوزير الغليظ أن هدفه «الواقعي» من وراء هذا العمل الجديد هو تهيئة (الواقع) عبر التلفزيون للوصول به إلى الترشح للرئاسة الأميركية، ألم يصل ترامب إلى الرئاسة عبر برنامجه التلفزيوني؟ وهكذا يفعل بومبيو، حيث بدأ بتلفيق وقائع جديدة ليصل عبرها إلى واقع الرئاسة التي يطمع بها.. لا تستغربوا؛ فإن هذا واقع أميركا مع ترامب وما بعده يظهره واقع بومبيو التلفزيوني، الذي جعل هذا الوزير الثقيل يتبع حمية قاسية أنزلت وزنه بالكيلوات كي يصبح مناسباً لمتطلبات الواقعية في الظهور التلفزيوني.
في آخر زيارة له إلى «أبو ظبي» وقبل أيام من انتهاء عمله في وزارة الخارجية قال بومبيو, في مقابلة صحفية مع مطبوعة خليجية تصدر بالإنكليزية: (إن وزارة الخارجية تعمل لتحقيق المصالح الأميركية)، وللنجاح في هذا العمل رأى بومبيو أن (السياسة الأميركية الخارجية تعتمد الواقعية دائماً) وفي شرحه حول هذه الواقعية, أوضح بومبيو من دون أدنى خجل أن الدول العظمى كأميركا هي من (يخلق الواقع ويقرره)، ومن يمعن النظر في عبارته يصل إلى معناها، فبدلاً من احترام الواقع الأصلي كما هو، تخلق أميركا (الواقع) الذي يتيح لها خدمة مصالحها لذلك هو (تلفيق) للواقع يقود إلى اعتماد طريقة تحقق المصالح، ما هي إلا واقعية انتهازية أنانية لأنها ناتجة عن واقع ملفق، وهكذا فنحن أمام سياسات انتهازية أنانية تستخدم السيطرة والهيمنة والنهب والعدوان بناء على واقع ملفق وكاذب ومصطنع، ومثل هذه الحبكات السياسية تزعزع استقرار وأمن العالم.. وتعتدي على سيادة واستقلال الدول، وتنهب وتسرق ثروات الشعوب.
وما تلفيق الواقع إلا للادعاء باعتماد الواقعية، وكلاهما -الواقع والواقعية- حسب السياسة الأميركية ليسا إلا ماركتين للترويج التلفزيوني المضلل حول السياسة الأميركية الانتهازية الأنانية الناهبة والمزعزعة للاستقرار والسلم الدوليين..