ما تزال أصداء الهزيمة المدوية للولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، تتردد في العالم عموماً وفي دوائر السياسة الأمريكية بشكل خاص إضافة للعسكرية، وذلك بعد مرور شهر على الانسحاب المذل للجيش الأمريكي من مطار كابول.
وعلى قدر جسامة الهزيمة، تأتي الاعترافات المدوية من قادة في الجيش الأمريكي، من أمثال رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، الذي اعترف بأن الجيش الأمريكي خسر الحرب في أفغانستان.
ولا تكمن أهمية هذا الاعتراف في مضمونه فقط، بل تكمن من الفشل المتراكم منذ سنوات للإدارات الأمريكية في اتخاذ قرارات حول جدوى الاستمرار في غزو أفغانستان، إذ أشار ميلي إلى إنه لم يعتقد أن هناك “حلاً عسكرياً” للحرب في أفغانستان منذ خمس إلى ست سنوات، لكنه اعتقد بدلاً من ذلك أن التسوية التفاوضية هي الخيار الأفضل.
وقال ميلي في جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي: هذه الحرب كانت فشلاً إستراتيجياً بالنسبة لنا، لكننا لم نخسرها في عشرين يوماً الماضية، أو حتى في عشرين شهراً الماضية، موضحاً أن أسباب الفشل بعيدة في الماضي.
كما هي العادة تكون الاعترافات الأميركية منقوصة وتدور في فلك التخفي وراء بعض الأكاذيب التي يمكنها التخفيف من وطأة الفضيحة في محاولة منه للتقليل من الفشل الأمريكي في أفغانستان، حيث ادعى رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، أن بلاده تمكنت من التعامل مع جماعة “القاعدة” الإرهابية، لكنه استدرك قائلاً: لم تتمكن من منع “طالبان” من الوصول إلى السلطة هناك.
يظهر جلياً أن اعترافات الجنرال ميلي تتوافق مع التوقعات العالمية التي تعلم تماماً أن الولايات المتحدة ورطت بعض دول الغرب في حرب للقضاء على حركة طالبان ، وظلت في صراع محتدم على مدى عشرين سنة لم تحقق فيها نصراً حاسماً، في حرب كلفتها ما يزيد على تريليون دولار على أدنى تقدير، ومقتل وإصابة ما يزيد على 23 ألف جندي بخلاف خسائر حلفائها، ثم تخلت بكل بساطة عن الأرض لحركة “طالبان”.
ويبدو أن الورطة الأمريكية الناتجة عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، انتقلت بشكل تلقائي لمجادلات حادة بين معسكري أكبر حزبين في الولايات المتحدة، وهما الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له الرئيس بايدن والحزب الجمهوري، حيث سعى أعضاء الكونغرس الجمهوريون إلى إثبات أن اللوم الرئيس لكون أفغانستان الآن تحت سلطة “طالبان”، يقع على عاتق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
في المقابل، أعرب أعضاء الكونغرس الديمقراطيون عن رأي مفاده أن جميع الإدارات الأمريكية التي عملت في السنوات العشرين الماضية مسؤولة عن الفشل، وليس بايدن فقط.
من الواضح أن سرعة وحجم الهزيمة التي انتهت بها أطول حرب في تاريخ أمريكا تثير التساؤلات حول مكانة الولايات المتحدة المزعومة، وربما يكون السؤال الأكبر هو ما إذا كانت مشاهد تلك الهزيمة تمثل الاضطرابات الأخيرة في عهد الهيمنة الأميركية، وأيضاً يبقى السؤال عن مصير دول اعتدت عليها أميركا واحتلت أراضيها.