يبدو أن تسونامي الاستقالات الحاصلة في حركة النهضة التونسية والتقهقر في بنية الحركة الإخوانية يقدم تصوراً واضحاً عن ماهيتها وكيفية تعاطيها مع الشؤون التونسية في فترات سابقة، في حين تظهر هذه التطورات العلاقة الهشة بين أعضائها والمبنية أساساً على المصالح الشخصية خارج إطار العمل المتكامل من أجل تونس.
فليس خافياً على أحد، أن حركة “النهضة” الإخوانية قد تجاوزت ما يمكن وصفه بالفساد خلال مشاركتها بالحكم، وكغيرها من الحركات والتنظيمات المرتبطة بتنظيم الإخوان، عملت منذ بداية ما سُمى بـ”الربيع العربي”، لاستغلال الحدث، فقفزت إلى السلطة عبر انتخابات شكك العديد من القوى والأحزاب التونسية بنزاهتها، ثم أقصت جميع القوى، سواء بألاعيب الانتخابات التي أظهرت أنها تجيدها، أو بالقوة والجرائم المروعة.
لم تقدم “النهضة” بعد وصولها لموقع القرار السياسي بعد عام 2011 أي جديد للسياسة التونسية على المستوى الداخلي والمعيشي للتونسيين، أو فيما يتعلق بوعودها الانتخابية بتحقيق النمو الاقتصادي والتعددية السياسية.
المشهد خارجياً كان مماثلاً فقد استغلت الحركة البلاد لخدمة أهداف التنظيم الدولي للإخوان وسعت لجعل تونس منصة لدعم الإرهاب في محيطها الإقليمي، وخير مثال على ذلك هو العمل على فتح البلاد كممرات لنقل السلاح والمرتزقة إلى الجارة ليبيا، ودعم التدخل التركي الأردوغاني الإخواني في ليبيا.
تلك الحالة المزرية تجلت اليوم في مشهد الانقسام الحاصل في جسد الحركة المرتبطة بتنظيم “الإخوان”، والذي نتج عنه سلسلة استقالات جماعية في صفوف أعضاءها والتي وصلت إلى 131 استقالة بعد إعلان 18 عضواً جديداً مساء أمس عن استقالاتهم.
وقد وقع على بيان الاستقالة نواب وأعضاء سابقون في المجلس التأسيسي وأعضاء في مجلس الشورى التابع للحركة ومسؤولون في الجهات، بسبب ما اعتبروه إخفاقاً في “معركة الإصلاح الداخلي” للحزب.
ورأى الموقعون، أن الخيارات السياسية الخاطئة لقيادة حركة “النهضة”، أدت إلى عزلتها وعدم نجاحها بالانخراط الفاعل في أي جبهة.
وجاءت تلك الاستقالات بعد القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي، قيس سعيد، منذ تموز الماضي والتي جمد بموجبها اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وأقال الحكومة، ثم أضاف سعيد يوم الأربعاء الماضي 22 أيلول، قرارات جديدة بإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين وأن يتولى السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها.
وفي المشهد الشعبي، تجمع أمس بصورة عفوية، أنصار الرئيس التونسي وسط العاصمة تونس، ورددوا شعارات داعمة لإجراءات الرئيس، محملين مسؤولية ما تمر به البلاد من أزمات، للمنظومة التي حكمت طيلة السنوات العشر الماضية، والتي كانت حركة النهضة خلالها تتصدر المشهد السياسي التونسي.
الاستقالات في صفوف أعضاء حركة “النهضة”، والحشود التونسية المؤيدة للرئيس سعيد، أسقطتا غطاء الشرعية السياسية عن حركة “النهضة” الإخوانية، وهي قد تكون المسمار الأخير في نعش هيمنة التنظيم في البلاد بعد سنوات من الفساد والفوضى.