الاقتصاد العالمي واتفاقية سميث ونيان الأمريكية ..!
تعد (اتفاقية سميث ونيان Smithsonian Agreement) سنة /1971/ من أهم الاتفاقيات المالية الدولية، وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق (نيكسون) بأنها أعظم اتفاقية مالية نقدية على الصعيد العالمي، عقدت في معهد (سمثونيان) في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كان الهدف منها تغيير بعض نصوص اتفاقية (بريتون وودز سنة 1944) ولاسيما الأمور المتعلقة بالدولار الأمريكي بعد أن تقرر دولياً اعتماده كعملة عالمية. تم هذا من خلال استحداث نظام سعر صرف ثابت دولي يعتمد على ربط العملات الدولية بالدولار الأمريكي، بعد ذلك تم ربط الدولار الأمريكي بالذهب على أساس سعر (أوقية الذهب أو الأونصة) بمبلغ /35/ دولاراً، حيث سمح لسعر صرف هذه العملات بهامش تذبذب بنسبة /2،25%/ مقابل الدولار، من أهم أسباب هذه الاتفاقية أن مجموعة (الدول العشرG10) التي كانت تقود الاقتصاد العالمي في ذلك الوقت تضم (بلجيكا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) طالبت بزيادة سعر أوقية الذهب إلى /38/ دولار، وهذا سبّب مباشرة انخفاض قيمة الدولار بنسبة /7،9%/، لكن مع تناقض مواقف هذه الدول فشلت الاتفاقية في تحقيق هدفها، كما دفع الدول المجتمعة لتعويم أسعار صرف عملاتها، كان الاقتصاد الأمريكي يعيش مشاكل اقتصادية كثيرة نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر« تحول ميزان المدفوعات الأمريكية من موجب إلى سالب – زيادة الدين العام على الخزينة الأمريكية بسبب حرب فيتنام – زيادة معدل التضخم النقدي بسبب ضخ كميات كبيرة من الدولارات الأمريكية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي – زيادة استنزاف احتياطيات الذهب الأمريكية- زيادة الفجوة بين الصادرات والمستوردات – تراجع إنتاجية العمل …الخ »، نجد أنه أمام هذه التحديات الكبيرة أمر الرئيس الأمريكي ( نيكسون ) بتاريخ 15/8/1971 ومن جانب واحد عدم قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب، من وقتها تحول الدولار إلى عملة ورقية عادية، تضمنت اتفاقية سميث ونيان السماح للدول العشر بزيادة قيمة عملاتها مقابل الدولار، ما سبّبَ خللاً كبيراً في تحقيق التوازن النقدي والمالي في النظام المالي العالمي، وتأكيداً للانتهازية الاقتصادية الأمريكية المتربعة على عرش الاقتصاد الدولي أصدرت قراراً في شهر شباط سنة /1973/ ومن جانب واحد أيضاً بتخفيض قيمة الدولار بنسبة /10%/ أمام العملات الأخرى، انطلاقاً من ذاك الوقت اعتمدت دول العالم الصناعية على تحويل صرف عملاتها من أسعار الصرف الثابتة إلى أسعار الصرف العائمة، أي حسب قوى السوق العالمية بالتالي تم إنهاء العمل بقاعدة (الدولار الذهبي)، فبدأت آلات وماكينات طباعة النقود في البنك الفيدرالي الأمريكي تطبع دولارات من دون رقيب أو حسيب ومن دون الاعتماد على التغطية الذهبية أو على الأقل التغطية الإنتاجية وتمكّنت من التحكم بالعالم بأكمله من خلال عملتها، فأصبحت عملتها مقيمة لثروات العالم من خلال قوتها العسكرية وربط العالم بها مالياً ونقدياً، رغم تزايد فضائحها الاقتصادية إلا أنها استمرت في توجيه الاقتصاد العالمي، ما زاد مستوى التهميش العالمي من جرّاء تصرفاتها كما قال الإمام علي بن أبي طالب «ع»:( المال يستر رذيلة الأغنياء، والفقر يغطي فضيلة الفقراء)، لكنها وجدت أن أفضل وسيلة لضمان سيطرتها هي زيادة بؤر التوتر والحروب العالمية وتوريق الاقتصاد أي الانتقال من الاقتصاد الإنتاجي إلى الاقتصاد الورقي بما فيه الأموال كما قال نابليون بونابرت: (قوام الحرب ثلاث: المال و المال و المال)، أما الآن فلم تعد الأمور كما كانت في سبعينيات القرن الماضي، ولم يعد العالم محميات أمريكية، بل يمكن القول إن قوى صاعدة بدأت تفرض بصمتها على الاقتصاد العالمي ومنها (الصين وروسيا ومنظمة شنغهاي والبريكس والاتحاد الأوراسي وغيرها)، فمع هذه التغيرات المزعجة للإدارة الأمريكية نسأل بل نتساءل كيف ستخرج أمريكا من هذا الوضع خاصة أنها مرهقة بالديون، هل ستقدم على حرب أو حروب لإعادة اتفاقية تشبه اتفاقية سميث ونيان سنة /1971/ لتحقق المصلحة الأمريكية على حساب العالم؟، أم ستلجأ إلى شن حرب أمريكية كبيرة لضمان استمرار تفوقها بالقوة العسكرية بعد تراجع قوتها الاقتصادية والسياسية؟، أم تسبب أزمة اقتصادية مالية تجارية عالمية لإعاقة اندفاعة القوى الأخرى؟، كل الاحتمالات ممكنة وخاصة أن تاريخ أمريكا هو تاريخ الاستثمار في الإرهاب البشري (إبادة الهنود الحمر) والعسكري (قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية) والإرهاب المالي (أزمة دول جنوب آسيا والمكسيك وأزمة سنة 2008) …الخ ، لكن ما هو متاح الآن أمامها ليس كما كان سابقاً، وقد ظهرت قوى جديدة منافسة لها كما زادت نقاط ضعفها، فبدأت تفقد سيطرتها على محددات الاقتصاد العالمي كما يقول المثل الهندي: (عندما يكون الفيل لديه مشاكل يمكن للضفدع ركله) .