لن تسلم الجرّة

سيمضي وقت طويل قبل أن تستطيع إدارة الرئيس بايدن الاسترخاء والقول «إن أفغانستان صارت وراءنا» وذلك رغم الأداء الذي قدمه أنتوني بلينكن وزير خارجية بايدن في جلستي استجواب متتاليتين أمس وأمس الأول حول قضية الانسحاب من أفغانستان وما جرته من هجوم شرس على بايدن وإدارته.

لكن وكما يبدو سيتوجب على الجمهوريين، خصوم بايدن، أن يبدؤوا بالبحث عن قضية أخرى تضمن لهم استمرار اهتزاز الأرض تحت قدميه بحيث لا يعرف راحة ولا مستقراً.

صحيح أنهم نجحوا في تحقيق جلسة استجواب لإدارة بايدن قبل أن تكمل عامها الأول، وكانت جلسة عاصفة في اتهاماتها وانتقاداتها، إلا أن بلينكن أفلت من كل سؤال، واستطاع في كل رد له أن يعيد الكرة إلى ملعب الإدارة السابقة، أي إدارة دونالد ترامب، باعتبارها هي من أورث إدارة بايدن ذلَّ الهزيمة في أفغانستان، فهي من طلبت التفاوض مع “طالبان” وهي التي دخلت في جولات مباحثات معها على مدى عامين، لتخرج بموعد محدد للخروج، وليس بخطة خروج، وكل ما فعلته إدارة بايدن هو تنفيذ هذه الخروج الذي طالبتها به حركة “طالبان” دون تأخير حتى ليوم واحد .. وإلا فإن الولايات المتحدة كانت لتدخل في تصعيد عسكري كبير، نتائجه ستكون على الأغلب في مصلحة “طالبان” «التي كانت أقوى عسكرياً من أي وقت مضى» هكذا قال بلينكن.

لا شك أن دفاع بلينكن استند إلى وقائع على الأرض، فإدارة ترامب لا تستطيع أن تنكر ما قاله، باستثناء أنها تستطيع المجادلة في مسألة أنه كان بإمكان إدارة بايدن الدخول في مفاوضات جديدة مع “طالبان” بخصوص خطة الخروج، على اعتبار أنه كان أمامها ثمانية أشهر كاملة لتفعل ذلك، وأنها كانت تعلم منذ البداية أن هناك موعداً محدداً لهذا الخروج، أي إنها لم تصحُ فجأة ذات صباح لتجد “طالبان” تطرق عليها الباب وتطالبها بالخروج.

وتستطيع إدارة بايدن الرد باتهام إدارة ترامب بأنها تعمدت أن تخرج بمفاوضات ناقصة مع “طالبان” في سبيل حشر بايدن في أضيق زاوية وإظهاره لاحقاً بأضعف موقف أمام الأميركيين، إذ لم يكن من الصعوبة توقع هذا الخروج الفوضوي من أفغانستان وما جره على الولايات المتحدة من إهانة وشماتة حتى بدا هذا الخروج وكأنه أنزلها كلياً عن قمة هرم القوة العالمية.. فما حدث كانت مؤشراته واضحة جداً ولم يكن ليصعب على إدارة بايدن رؤيتها.

فهل إنها لم ترها فعلاً، أم رأتها ولم تعرف كيف تواجهها وتديرها، أم رأتها وتعامت عنها لغاية في نفسها؟

دفاع بلينكن كان بين هذا وذاك، ومن مجمل ما قاله: إن إدارة بايدن رأت كل هذه المؤشرات لكنها لم تملك أي خيارات سوى الوقوف -مع بقية العالم- ومشاهدة كل ما حدث.

لا يجانب بلينكن الحقيقة في قوله هذا، ويبدو أن المسؤولية لم تكن لتقع على عاتق إدارة ترامب ولا إدارة بايدن، بل هي قرار رسمي مُتخذ ، فالولايات المتحدة أرادت الخروج من أفغانستان بأي طريقة حتى لو كانت مخزية.. بعد ذلك ومع الوقت ستعمل على إصلاح الأضرار التي لحقت بسمعتها ومكانتها الدولية، وتعتقد بأنها ستنجح في ذلك كما سبق وفعلت في مرات سابقة.

لكن المراقبين يحذرونها من أن الضرر كبير هذه المرة، وليس في كل مرة تسلم الجرة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار