مع اقتراب قطاف محصول الزيتون نهاية أيلول الحالي ، بعض المزارعين في محافظة اللاذقية حزين وآخرون شاكرون لما تبقى لهم من الموسم نتيجة عدة عوامل، وقال مَن التقتهم « تشرين»: إن هذا العام كان من المفترض أن يكون عام حمل للزيتون بالمفهوم الزراعي، سنة حمل وسنة معاومة، والسنة الفائتة كانت معاومة، لكن الأغلبية أكدوا أنه موسم أقرب إلى سنة المعاومة.
وأضافوا: على ما يبدو وخلاف ما جرت عليه العادة، فحتى مزارعو الزيتون سيضطر الأكثرية منهم لشراء الزيتون والزيت، وسيكون الوضع صعباً على المزارعين الذين يعتمدون على محصولهم في معيشتهم، وصعباً أيضاً على المستهلكين لغلائه، فقد نفدت كميات الزيت المخزنة عند الأغلبية، وما «يزيد الطين بلة» أن إنتاج العام الفائت كان قليلاً, وأتت الحرائق على قسم كبير منه، وما تبقى هذا العام دون الوسط عند البعض ومعدوم عند البعض الآخر في القرية نفسها، وهذه خيبة كبيرة لمزارعي الزيتون، لأن محصولي الزيتون والحمضيات هما أساس أرزاقهم.
وأضاف المزارعون أن ما أثر على إنتاجهم ليس فقط العوامل الجوية في فترة الإزهار والعقد, وإن كان لها أثر لا يستهان به، ولكن السبب الرئيس عدم توافر الأسمدة في المصارف الزراعية، وغلائها في السوق السوداء وليس بمقدور الجميع شراؤها، وأيضاً ارتفاع أجور الفلاحة والتقليم، وتعذر تأمين السماد من قبل أغلبية المزارعين وعدم استخدامهم سماد سوبر الفوسفات الثلاثي ٤٦ الخاص بالعقد لشجرة الزيتون، وعدم إضافة سماد الآزوت، كل هذا أدى إلى عدم ثبات عقد ثمار أشجار الزيتون.
من جهته قال المزارع أبو علاء سلمان من قرية الرويسة المالك عشرين دونم زيتون: كانت الشجرة الواحدة في سنة الحمل تنتج نحو ٥ عبوات زيتون أي ما يعادل خمسين كغ، وكنت أنتج ٣٥ بيدون زيت سعة عشرين ليتراً، وفي سنوات المعاومة تنتج ما بين ربع أو نصف هذه الكمية، أما هذه السنة وهي سنة الحمل حتى ربع الإنتاج لم تحمله الشجرة، ولا أعرف ماذا سينتج الموجود من حبات الزيتون خاصة أنني لم أستطع تسميد الأرض، وما سأنتجه لن يكفي مؤونتي أنا وأولادي، وسنضطر إلى تأمينها وشرائها بعدما كنا نبيعها، وأعتقد ستكون الأسعار غالية جداً لقلة الموسم، لذلك سيكون الوضع صعباً على الجميع، فأقل بيت يحتاج بيدوني زيت عدا عن الزيتون وهو أساسي ولا يمكن الاستغناء عنه كمادة غذائية.
ووافقه أبو آدم وقال: كنت في سنة الحمل أنتج مؤونتي ومؤونة أهلي، ونبيع ما يبقى ليساعدنا في تدبر أمور الحياة مع رواتبنا، لكن هذا العام زادت الأعباء علي وعلى كثر غيري، فالعام الفائت لم تحمل الأشجار عندي حبة زيتون واحدة، حتى مؤونتنا لم ننتجها، وكذلك هذه السنة شبه معدومة، ولم يكن المعنيّون متعاونين مع المزارعين، فلم يتسنَ للمزارعين شراء السماد من المصارف الزراعية لعدم توافرها، وبهذه الأوضاع المعيشية الصعبة التي نعيشها لم أستطع- وغيري كثر- شراءها من السوق السوداء.
وأكد أبو شادي من صلنفة وأبو زاهر من المزيرعة وبسام أبو سومر من الحفة قرية السامية وغيرهم كثر، أن الموسم متفاوت حتى في الأرض نفسها للمزارع.
رئيس اتحاد فلاحي اللاذقية حكمت صقر قال: إن أسباب ضعف الإنتاج على الرغم من أن السنة سنة حمل لأشجار الزيتون، هي الأحوال الجوية غير الملائمة لفترة الإزهار والعقد في شهر نيسان، وأيضاً عدم هطول أمطار كافية، وارتفاع درجات الحرارة، إضافة لعدم توافر مستلزمات الإنتاج خاصة السماد بالمصارف الزراعية، وإن ما كان موجوداً من أسمدة في المصارف الزراعية كان مخصصاً فقط لمزارعي القمح بسعر مدعوم ١٩٣ ألفاً للطن، ولم يأخذ مزارعو الزيتون والحمضيات من المصارف أسمدة على الإطلاق، وسعرها غال في السوق السوداء، وإن عدم قدرة الفلاح على حراثة أرضه بسبب ارتفاع أجور الحراثة كان سبباً أيضاً في قلة الموسم، لأن الأرض كما تعطيها تعطيك، حيث بلغت تكلفة حراثة الدونم ما بين ٨٠٠٠ – ١٠ آلاف ليرة، وغلاء أجرة اليد العاملة، فالأجرة باليوم ما بين ١٠- ١٥ ألف ليرة، ولم يكن بمقدور جميع المزارعين الاعتناء بأرضهم، لأن دخل المزارع قليل والمصروف أكبر منه.
وأشار صقر إلى أن الاتحاد منذ بداية العام وجه الروابط والجمعيات الفلاحية في المحافظة للتعاقد مع جرارات زراعية من أجل القيام بفلاحة أراضي مزارعي المناطق الأربع من خلال رؤساء الجمعيات، مقابل تأمين المازوت الزراعي بسعر مدعوم ومقبول دون ١٠ آلاف ليرة، لكن قلة الجرارات الموجودة حالت دون الوصول إلى مساعدة جميع المزارعين، وهي الصعوبة التي يواجهها الاتحاد في مساعدة المزارعين، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا يوجد في رابطة جبلة سوى أربعة جرارات، وإلى الآن ما زال البحث جارياً للتعاقد مع جرارات زراعية.
وأضاف: إن اتحاد فلاحي اللاذقية طالب الاتحاد العام للفلاحين والحكومة عبر اجتماعنا معهم بتأمين جرارات زراعية للمحافظة، ونأمل تأمينها بالسرعة القصوى لما لها من فائدة على الفلاح والاتحاد بزيادة الانتاج وتوفير المال على المزارع.
من جهته قال المهندس عمران إبراهيم رئيس شعبة الزيتون في مديرية زراعة اللاذقية: إن التقديرات الأولية لمحصول الزيتون نحو ٨٨ ألف طن، والمساحة الكلية المزروعة في المحافظة ٤٥ ألف هكتار، والعدد الكلي لأشجار الزيتون ما يقارب ١١ مليوناً، المثمر منها ما يقارب ٩ ملايين، وبالنسبة لموسم هذا العام في محافظة اللاذقية يعد مقبولاً مقارنة مع بقية المحافظات، حيث إن الإنتاج تأثر في السنوات الماضية بتغير المناخ ليس في سورية فحسب بل في حوض المتوسط (منطقة زراعة الزيتون الأساسية على مستوى العالم), ويضاف للتأثير السلبي للمناخ، جملة عوامل أفرزتها الحرب على سورية من قلة توفر مستلزمات الإنتاج وغلاء سعرها خاصة السماد والمحروقات.
وأضاف عمران: إن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تأثير سلبي بالمجمل على الإنتاج، ولكن الأهم هو الأثر المناخي (العام) وقلة المحروقات ثانياً، لأن المحروقات لها دور في الفلاحات والنقل وصناعة السماد..الخ، وعليه لا يمكن للأسف إهمال أثر الحصار الجائر على سورية بما يخص عجلة الإنتاج.
وقال لكن السؤال: هل من الممكن تأمين بدائل خاصة السماد؟ الجواب حقيقة من الممكن لمزارعي الزيتون الاستفادة من ماء الجفت الناتج عن عصر الزيتون لري أراضيهم بها بعد القطاف، حيث إن الري بمعدل ثمانية أمتار مكعب للدونم من مياه الجفت الناتجة عن معاصر حديثة، أو خمسة أمتار مكعب للدونم من مياه عصر الزيتون الناتجة عن معاصر قديمة (مكابس)، على أن توزع نثراً بعيداً عن ساق الشجرة، وهذا علمياً يغني عن جميع أنواع الأسمدة، ويضاف لهذا أنه يمكن للفلاح أن يسجل على كمية ماء الجفت المطلوبة في الوحدة الإرشادية خلال موسم العصر، ويتم تحديد إمكانية الري بمياه الجفت بما لا يتعارض مع القوانين النافذة وخصوصاً القرار 190/ت الناظم لعملية التسميد بمياه الجفت.