الجريح البطل عليشة أنموذجٌ للتحدي .. حرمه الإرهاب نعمة البصر لكن البصيرة قادته للتفوق الدراسي
رغم أن الحرب على سورية حرمته من نعمة البصر، لكن البصيرة كانت أقوى لدى البطل محمد عليشة أحد أبطال الجيش العربي السوري في الدفاع عن الوطن وترابه الغالي، وإصابته هي فقدان بصر تام بنسبة عجز 100% حصلت من خلال طلق ناري لقناص إرهابي اخترق العين اليمنى، وانفجر جانب الوجه مما أدى إلى انفقاء مقلة العين اليسرى، وحدث ذلك في قرية الحاكورة، وتحديدا بالقرب من محطة زيزون. لتقوده هذه الإصابة إلى ميدان التفوق في ساحات العلم، حين تبوأ الصدارة بين أقرانه متقدماً على المبصرين وبمعدل وصل إلى 94 في المئة في كلية إدارة الأعمال في اللاذقية بجامعة المنارة.
عن تفوقه ودراسته تحدث محمد عليشة لـ«تشرين» قائلاً: بعد منحة السيد الرئيس بشار الأسد للدراسة في جامعة المنارة -كلية إدارة الأعمال لأربع سنوات، حرصت على اختيار اختصاص الإدارة المالية، رغم أنني كفيف، وهذا الفرع يتطلب دراسة الأرقام، والنسب المالية والرسوم البيانية، لكن حبي لهذه المواضيع دفعني لاختيار التخصص.
أما تفوقي فجاء من خلال إصراري وإرادتي وعزيمتي التي تسلحت بها لتحقيق شيء مميز في حياتي رغم إصابتي، وأستعين بدراستي بـ« الموبايل» وجهاز «اللابتوب» الناطق، وبتعاون مميز من قبل دكاترة الجامعة الذين لا يبخلون بتقديم المعلومة، والمساعدة عند سؤالهم عن أي جانب في ميدان الدراسة.
وحرصت على حفظ المحاضرات، ودراستها عن طريق الناطق، وتمكنت بفضل إرادتي تلك وبدعم من الأهل والدكاترة بالجامعة، والمقربين المحبين تحقيق التفوق.
ولا يقف تفوق واهتمام البطل عليشة على الجانب الدراسي، فلديه الموهبة الفنية اللافتة للنظر في العزف على العود، وتأليف الأغاني وتدريب المبتدئين في هذا المجال، ولذلك يضع كلمات الأغاني التي أنجزها وألحانها بين يدي المعنيين والمهتمين، ليكون هناك تعاون وتواصل بينهم، خاصة أنها أغانٍ معبرة ومميزة وهادفة.
وقال: كانت بداياتي في التعلم على العود بعد ستة أشهر من الإصابة التي تعرضت لها في عام 2018 حين استكملت العلاج وعدت إلى البيت، لأبدأ العزف على آلة العود التي قام شقيقي الجريح مناف بنسبة عجز 25 في المئة، والمصاب في جسر الشغور، بشراء عود لي وشجعني للتعلم عليه، وكذلك أهلي وأصدقائي، واستفدت من جارنا في تعلم المبادئ الأساسية قبل تطوير ذاتي، وكنت أمضي ما بين 6- 7 ساعات يومياً في التعلم على آلة العود، لأني تعلقت بها كثيراً.
يضيف الجريح عليشة: بعد تسعة أشهر قمت بكتابة أغنية للجرحى والشهداء، كان اسمها نادي الوطن ردينا نفدي الوطن بالدم، وعملت لها لحناً بسيطاً كمبتدئ على العود، ونزلتها عـ« الفيسبوك»، ومصادفة شاركت أكثر من صفحة على الفيس، وعلى إثرها تلقيت هدية عود من السيدة أسماء الأسد تشجيعاً لي، بعد سماعها الأغنية وإعجابها بها، وواصلت كتابة الشعر والأغاني، وأصبحت أغنّي بعد تعلمي الغناء مع العزف على العود، علماً أنني قبل الإصابة لم أكن أغني مطلقاً، وكتبت العديد من الأغاني الوطنية.
وحرصت بعد عام ونصف العام من تجربتي مع العزف على تعليم الطلاب الذين يقومون بزيارتي في البيت، لأقدم لهم المبادئ الأساسية على العزف، وصولاً لمرحلة معينة من التدريب.
وتعتمد طريقتي في التدريب للمبتدئين على إشارتي لهم بالأصابع، بعد تعليمهم كيف يمسكون الريشة، وبالطبع عن طريق اللمس، وأستمع للمبتدئ إن كان قد ضغط أصابعه على الأوتار بشكل صحيح أم لا، ومن الذين قمت بتعليمهم العزف على آلة العود هناك جريح فاقد للبصر، وشلل نصفي، وغيرهم.
ويعتمد البطل عليشة على جهده الشخصي في تأمين تنقلاته من قريته حورات في ريف حماة إلى جامعته، وكذلك احتياجاته الشخصية من غسيل وتنظيف وطبخ، والاهتمام بالملابس وبالمظهر الشخصي، أما في الجامعة فهناك عدد من الجرحى المساعدين والموظفين المختصين في مجال الخدمات في حال احتاج شيئاً ما،
وهناك باص ينقله من الجامعة للفندق.
وقال: وصلت مع أهلي لقناعة أنني أرى من خلال اعتمادي على نفسي، وأستعين بشقيقي الأصغر عند التوجه لزملائي الجرحى ومعي العود للتخفيف عن إصاباتهم.
د. رزان نصور رئيسة قسم التسويق والتجارة الإلكترونية في جامعة المنارة- دكتوراه في إدارة وبحوث التسويق- المرشد الأكاديمي لطلاب كلية إدارة الأعمال، ومنهم الطالب محمد عليشة الذي تحدثت عنه بإعجاب شديد لكونه يتمتع بالخلق العالي والذهن الصافي والقدرة الكبيرة على الاستيعاب الذهني، مضيفة: هو من ذوي الهمم، نستمد منه الطاقة الإيجابية لأنه يتمتع بشخصية حيوية، و«كاريزما» تجعلك تشعر لوهلة أنه مبصر، ويشاركني جميع الدكاترة الرأي، فهو طالب مميز ببصيرته الثاقبة، ويملك من الذكاء ما يجعله يتفوق على زملائه المبصرين، حتى إنه يعرض عليهم المساعدة في شرح المحاضرات، وتقديم المساعدة لهم، وبالأخص في المقررات مثل الرياضيات والمواد المالية المعتمدة على الحساب الذهني.
وتؤكد د. نصور أن الجريح عليشة حالة خاصة من الطلاب.. نقاط القوة لديه واضحة، وهو إنسان اجتماعي مثابر ينافس نفسه بتحقيق هدفه، وهذه أنجح أنواع المنافسة، لأنه يريد أن يحقق ذاته في ميدان العلم، وإصابته لم تزده إلا إيماناً بأن الله سبحانه وتعالى يحب عبده، ويمتحن إيمانه وصبره.
أما معدلاته في معظم المقررات فهي ممتازة، ومرة قلت له إني أرى فيك طه حسين الثاني، فقال لي وأنا سأعمل لأكون معيداً ودكتوراً جامعياً في المستقبل، كما أنه متعدد الهوايات، ويعمل على الحاسوب الشخصي، ويتقن العمل على برامج «الأكسل»، ولم تقف إصابته عائقاً بوجهه، بل كانت محفزاً له، أتمنى له ولغيره من الجرحى كل التوفيق، وأتذكر دائماً كلماته حين كنا نتبادل أطراف الحديث يقول لي من باب المزاح: « دكتورتي أسئلتك صعبة ليش فيها ألغام كثيرة ».