اثنان وخمسون عاماً على جريمة الاحتلال الإسرائيلي بإحراق المسجد الأقصى والنار لم تخمد فالجريمة تتجدد يومياً من خلال محاولات تغيير ملامحه التاريخية والحفريات تحته واقتحامات المستوطنين لباحاته والاعتداء على الفلسطينيين المرابطين فيه وتهجيرهم قسرياً من منازلهم في محيطه لإقامة بؤر استيطانية بهدف طمس الهوية التاريخية والحضارية لمدينة القدس المحتلة وتهويدها.
يوم الحادي والعشرين من آب عام 1969 أشعل الإرهابي الصهيوني استرالي الجنسية دنيس مايكل روهان النيران في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى بالتنسيق مع سلطات الاحتلال بهدف تدمير أهم معالم القدس المحتلة الدينية والتاريخية فأتت النيران على 1500 متر مربع من مساحة المسجد البالغة 4400 متر مربع وألحقت ضرراً بالغاً ببنائه حيث سقط سقفه والقوس الحامل للقبة وتضررت الأعمدة الرئيسية وأجزاء كبيرة من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية واحترق المنبر الخشبي الذي صنع في مدينة حلب وأهداه صلاح الدين الأيوبي للقدس.
سلطات الاحتلال التي أدعت أن روهان مختل عقلياً ورحلته إلى أستراليا قامت بقطع الماء عن المصلى القبلي ومحيطه ومنع فرق الإطفاء من الوصول إليه لضمان انتشار واسع للحريق بينما هب الفلسطينيون إلى إخماد النيران بملابسهم والتراب والمياه الموجودة في آبار الأقصى.
وفي الخامس عشر من أيلول عام 1969 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 271 بأغلبية11 صوتاً وامتناع أربع دول عن التصويت من بينها الولايات المتحدة الأميركية والذي أدان “إسرائيل” واعتبرها مسؤولة عن الحريق باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال وطالبها بإلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس ولم يقم المجتمع الدولي حتى اللحظة بأي إجراء عملي يلزم الاحتلال بتنفيذ هذا القرار أو غيره من القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
وكيل وزارة الأوقاف الفلسطينية حسام أبو رب قال في تصريح لمراسل “سانا” إن هذه الذكرى أليمة لأن الأقصى لا يزال يواجه الحريق في ظل صمت المجتمع الدولي على انتهاكات الاحتلال المتواصلة للمقدسات الإسلامية والمسيحية مشدداً على أنه كما نجح الفلسطينيون قبل اثنين وخمسين عاماً في إخماد ألسنة اللهب بأجسادهم وماء عيونهم سيواصلون النضال لإفشال كل مخططات الاحتلال التهويدية.
وبين أبو الرب أن ذكرى جريمة إحراق الأقصى هذا العام تتزامن مع عدوان شرس على الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل من خلال تنفيذ حفريات في محيطه لإقامة طريق وجسر استيطاني يسهل اقتحامات المستوطنين لافتاً إلى أن هذه الممارسات تهدف إلى تغيير ملامح الحرم والاستيلاء على ساحاته والمواقع التاريخية في محيطه لتهويده.
وأكد المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس أن الأقصى في خطر شديد جراء ممارسات الاحتلال العدوانية والعنصرية التي تستهدف الوجود الفلسطيني وقال: ” في هذه الذكرى أوجه رسالة للعالم بأنه على الرغم من كل ممارسات الاحتلال سيبقى أهل القدس مدافعين عنها متشبثين بمقدساتهم ومدينتهم التي هي عاصمة دولة فلسطين الروحية والوطنية وعلى العالم الحر التدخل العاجل لإنقاذ المقدسات من براثن التهويد والاستيطان”.
وأشار مدير مركز القدس الدولي حسن خاطر إلى أن الأخطار لا تزال محدقة بالأقصى والنيران تشتعل فوق أرضه وتحتها حيث ان شبكة الأنفاق الضخمة التي أقامها الاحتلال تحته وفي محيطه تهدد بانهيار أساساته في أي لحظة منددا بصمت المجتمع الدولي عن هذه الجريمة المستمرة التي تهدف إلى تزييف التاريخ وطمس معالم القدس العربية والإسلامية.
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف أوضح أن عدوان الاحتلال على الأقصى يزداد شراسة موءكدا في الوقت ذاته أن جرائم الاحتلال المتواصلة بحق المقدسات لن تكسر إرادة صمود الفلسطينيين وتشبثهم بأرضهم ومقدساتهم مطالبا المجتمع الدولي بتوفير حماية دولية عاجلة للمقدسات وتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بإنهاء الاحتلال وحصول الشعب الفلسطيني على حق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
ولفت عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة إلى أن جريمة إحراق الأقصى كانت الحلقة الأولى من حلقات التهويد الممنهجة المتصاعدة التي يحاول الاحتلال من خلالها خنق الوجود الفلسطيني في القدس المحتلة.
وأشار أبو ظريفة إلى أن الفلسطينيين سيقيمون غدا بمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لجريمة إحراق الأقصى فعاليات وطنية متعددة في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر لإرسال رسالة للعالم بأن الشعب الفلسطيني سيواصل الدفاع عن أرضه ومقدساته ولن يسمح للاحتلال والمستوطنين المساس بها.