أزمة أخرى يدفع رئيس النظام التركي بقواته إليها في محاولة جديدة لتشتيت الرأي العام التركي عن إخفاقاته المتكررة في حل الأزمات التي تعصف بتركيا، وهذه المرة في أفغانستان التي يصر أردوغان على إبقاء جنوده هناك لحراسة أمن مطار كابول، وذلك بعد أن عقد مؤخراً صفقة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن تقضي بتسليم قوات تركية السيطرة على مطار كابول في الوقت الذي تنسحب فيه القوات الأمريكية بعد عشرين عاماً من الاحتلال تاركة خلفها بلداً مدمراً ومستنزفاً يعبث فيه المسلحون المتطرفون.
ففيما تسيطر “طالبان” على معظم المدن الأفغانية بما فيها العاصمة كابول، يدافع أردوغان عن إبقاء القوات التركية متذرعاً بما وصفه “الالتزام بالاستقرار”، من دون أن يشرح أردوغان ماذا يعني بـ”الاستقرار” في الأزمة الأفغانية وشكل هذا الاستقرار، خاصة في ظل التناغم بالتصريحات بين أردوغان و”طالبان”، مع الأخذ بالاعتبار عدم وجود اختلاف في المعتقد بين الطرفين، ولهذا يمكن لأردوغان أن يجتمع مع متزعم “طالبان”، وأن يرى نفسه في دور جديد باعتباره الراعي الفعلي لـ”طالبان”، التي وصف إيديولوجيتها بأنها “لا تتناقض مع بلدنا”.
إصرار أردوغان على توريط أنقرة في الرمال الأفغانية المتحركة، دفع أوساطاً إعلامية وشعبية وسياسية للمطالبة بسحب القوات التركية لخطورة التدخل في الأرض الأفغانية بعد التطورات الحاصلة، مستندين في مطالبتهم إلى قولهم “دولة بحجم الولايات المتحدة وقدراتها تنسحب من الساحة الأفغانية، فما بالك بدولة مأزومة ومضطربة ومعزولة بفعل سياسات حزب العدالة والتنمية الفاشلة؟”.
زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيلتشدار أوغلو قال: “لن نضحي بقواتنا حيث فر الآخرون من دون النظر إلى الوراء. الوعود الشخصية المقدمة على طاولات غير رسمية ليس لها أي صلاحية”، فيما قالت زعيمة حزب الخير المعارض ميرال أكشنار: “يريدون إبقاء الجنود الأتراك في أفغانستان. هل بقيت أفغانستان حتى يبقى جنودنا؟ توقفوا عن الهراء واسحبوا جنودنا من هذا المستنقع حالاً وعلى الفور”.
وفيما المطالبات التركية تتصاعد لسحب الجنود الأتراك البالغ عددهم ٦٠٠ جندي، أكدت مصادر تركية عدم التخلي عن خطط الحفاظ على الأمن في مطار كابول، وأبدت استعدادها لتقديم الدعم الفني لطالبان، وذهب أردوغان أبعد من ذلك بالقول: “إنه قد يستقبل زعيم طالبان للمساعدة في التفاوض على حل للمشاكل في أفغانستان، وإن تركيا ليس لديها أي قضايا متضاربة مع معتقدات طالبان، ما يجعل هذه المفاوضات أسهل”.
ليس مستغرباً أن يزج أردوغان بقواته وببلاده في الأزمة الحالية بأفغانستان، لأنه كعادته يلهث وراء التمدد خارج البلاد والتدخل في شؤون الدول المجاورة للتغطية على تراكم إخفاقاته الداخلية، فبعد تدخلاته السلبية واحتلاله لأجزاء من العراق وسورية وعبث مرتزقته بأمن ليبيا، ها هو يحاول التمدد في أفغانستان، ما يعكس نزعة السلطان العثماني المتغطرس والمنفصل عن الواقع عبر تصور نفسه كشرطي إقليمي، في حين أنه عاجز عن ترتيب البيت التركي الداخلي المليء بالأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.