أسبوعان لم يكفيا وزارة الكهرباء وهيئة الاستثمار السورية للإجابة عن أسئلة محرري قسم التحقيقات في “تشرين” الذين يعملون على تحقيق حول الطاقة البديلة، وللمصادفة وبعد يوم واحد من زيارتنا مركز بحوث الطاقة الذي قيل لنا إن مديره العام في إجازة لمدة عشرين يوماً، وإن لا أحد مخولاً بالتصريح غيره، نسمع بآذاننا تصريحاً لمعاونه على إحدى الإذاعات الخاصة، لذلك اضطررنا لجمع بعض المعلومات التي صرحوا بها سابقاً لبعض وسائل الإعلام، على طريقة (اللملمة) لنستطيع إنجاز هذا التحقيق.
73 مشروعاً لتوليد الطاقات البديلة دخلت في التنفيذ حسب تصريحات إعلامية سابقة لمدير مركز بحوث الطاقة في وزارة الكهرباء يونس علي، مقسّمة لـ 60 مشروعاً لدى القطاع الخاص و13 مشروعاً في القطاع العام، 12 منها لدى مركز بحوث الطاقة، ومشروع في منطقة الكسوة تعمل عليه مؤسسة توليد الكهرباء، إضافة إلى مجموعة مشاريع دخلت حيز التنفيذ منها مشروع لتوليد 33 ميغاواط في حلب (المدينة الصناعية بالشيخ نجار)، وأخرى (شمسية وريحية) قيد الترخيص أو الإعلان.
لا معوقات
يؤكد د. غيث ورقوزق – مدير البحث العلمي في جامعة دمشق أنه من الأفضل أن تقوم وزارة الكهرباء في هذه المرحلة بمشاريع طاقة متجددة باستطاعات متوسطة وكبيرة (الشمسية والريحية)، عبر استثمار مناطق السطوع الشمسي ومناطق هبوب الريح بسرعات مجدية خارج المدن، ثم ربط هذه المشاريع بالشبكة الكهربائية، مشيراً إلى أنه لا توجد معوقات كبيرة سوى التكلفة المادية على الخزينة، لكن رغم ذلك يمكن إيجاد حلول تشريعية واقتصادية.
لا غنى عنها
وأضاف د. ورقوزق: إنه يمكن لمحطات الطاقة الكهروشمسية أن توفر كميات هائلة من الوقود الأحفوري المستخدم لتوليد الطاقة من المحطات الحرارية أثناء ساعات النهار وسطياً من (٥-٧) ساعات يومياً، بالتالي إذا ما تم وضع نظام توزيع فعال لتشغيل المحطات الشمسية بالتعاون مع المحطات الحرارية فسوف يتم الحصول على فائدة كبيرة، مشيراً إلى أن المحطات الحرارية هي محطات لا غنى عنها فهي تغطي ما يسمى حمل القاعدة (الأحمال الأساسية المستمرة خلال ٢٤ ساعة).
وعن كيفية الاستفادة من الوحدات الصغيرة للأسر أو الأفراد ولاسيما الألواح الشمسية، بيّن د. ورقوزق أن هنالك مشكلات تقنية تتعلق بجودة التجهيزات المستوردة لا سيما خلال هذه الفترة نتيجة الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية من جهة، ونتيجة جهل بعض المستوردين بالمواصفات القياسية العالمية من جهة أخرى، ناهيك بوجود معوقات مادية.
يحتاج تنظيماً
ويوضح مدير البحث العلمي أن توجه الكثير من المواطنين لاستثمار الطاقة الشمسية كهربائياً هو أمر مفهوم بسبب الحاجة الماسة للكهرباء، لكن – من وجهة نظره – فإن تركيب المنظومات الفردية في نظام الأبنية لدينا يحتاج تنظيماً ومتابعة من جهات هندسية مختلفة للتأكد من سلامة التركيب والتنفيذ حتى لا تحصل كوارث لمسنا بعضها في الفترة الماضية عند هبوب رياح أو حرائق لا سمح الله.
نحو التنمية المستدامة
إذاً أمام هذا الاتجاه المهم لا بد لنا من معرفة الجدوى الاقتصادية له يقول الباحث الاقتصادي ماهر سنجر: فيما يخص مشاريع الطاقة البديلة لا يمكن لنا فقط الحديث عن مدى الجدوى الاقتصادية لها، بل إن التوجه نحو نوع كهذا من المشاريع يملك أبعاداً غير منظورة من الواجب لفت النظر إليها، فمشاريع كهذه بطبيعتها مجدية اقتصادياً إضافة إلى جدواها الاجتماعية والبيئية، ومجرد الانتقال لهذا النوع من المشاريع هو إشارة إلى أن الانتقال إلى التنمية المستدامة ذات الأثر الاقتصادي والبيئي والاجتماعي والتكنولوجي هو حالة قائمة، وبات الخروج من طرق التنمية التقليدية ومن آثارها ضرورياً ومهماً، خاصة في ظل حصار اقتصادي أمريكي جائر فرض حالة من النقص في المواد الأولية اللازمة لتوليد الكهرباء، ناهيك بالتدمير الممنهج من قبل المجموعات الإرهابية للبنى التحتية التي طالت قطاعات كبيرة بما فيها قطاع الطاقة.
بيئة متوازنة
يضيف د. سنجر: إن استخدام الطاقات البديلة هو أحد الدلائل على ضرورة إيجاد بيئة متوازنة تتحسن بها ظروف حياة المواطن وتزيد من حالة التنافسية في البلد بين القطاعات، مؤكداً أن استخدام الطاقة البديلة هو منهج دولي استراتيجي في ظل النقص في مخازين الموارد الاستراتيجية من الموارد التقليدية الناضبة الملوثة للبيئة، وفي ظل شبه سيطرة لدول دون غيرها على إمدادات الطاقة بالتالي لا يمكن لأي اقتصاد أن يبقى بمعزل عن هذا المد الاستراتيجي المرتكز على الموارد غير الناضبة.
لن تكون بمتناول الجميع!
ويؤكد د. سنجر أن حلول الطاقة البديلة لن تكون بمتناول الجميع وذلك لعدة أسباب؛ أولها محدودية الدخل لدى البعض وحالة عدم التوازن بين الدخل والإنفاق التي يعانيها معظم السوريين، إضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر ما يجعل من حلول الطاقة البديلة مقتصرة على فئات معينة، كما أن اقتراح فكرة القروض جيدة لكنها أيضاً لن تمكن الجميع من الحصول على الطاقة، وذلك لارتباط إجراءات القروض برهن معين أو كفالة، كما أن خدمة القرض ستشكل عبئاً على المقترضين.
التوقف عن بيع الوهم
وفي هذا الإطار لفت المهندس عبدو الأسعد الخبير في مجال الطاقات المتجددة إلى أن البداية محفوفة بالمخاطر التي يجب تداركها من قبل الجهات المعنية.. ومن أبرز المخاطر هي العشوائية المتمثلة بدخول تجهيزات إلى السوق من دون أي ضوابط أو معايير علمية، مشدداً على ضرورة وجود مخابر متطورة لاختبار هذه التجهيزات تتمركز في المنافذ الحدودية، إضافة لوجود مخبر متطور ضمن المركز الوطني لبحوث الطاقة التابع لوزارة الكهرباء.
وأكد الأسعد أن التحدي الأكبر هو عدم قدرة المواطن على امتلاك مجموعات شمسية مستقرة لأن العروض الوهمية على صفحات التواصل الاجتماعي والتنفيذ ببضاعة سيئة غير مجدية، واصفاً ما يحدث بأنه (رمي النقود في حاويات القمامة)، وأشار إلى أن تكلفة مجموعة مستقرة 3.5 كيلو واط حوالي 7 ملايين ليرة لتشغيل (براد – فريزة – مراوح – إنارة – كمبيوتر- راوتر- شواحن ..الخ)، لكن عروض تنفيذها عبر صفحات «فيسبوك» لا تتجاوز 3 ملايين ليرة، مبيناً أن هذا بيع للوهم والأسوأ أن تنفيذه يتم من قبل غير مهنيين لدرجة أن «بائع فلافل» أو أي «كهربجي» يقوم بتركب طاقة شمسية وهذه كارثة لأن الطاقة الشمسية علم قائم بذاته.
صندوق للتمويل!
وعن إنشاء صندوق لتمويل تركيب تجهيزات الطاقة البديلة من دون فوائد.. تساءل الأسعد: هل يمكن منح قرض بقسط شهري 10 آلاف ليرة؟ وكم سنة يحتاج المواطن للتسديد؟ وهل يمكن إقراض المواطن لمدة 60 عاماً مثلاً؟ وهل يدرك من أعد هذه الدراسة أن الموظف غير قادر على دفع هذا المبلغ البسيط من دخله، مبيناً أنه من غير المنطقي تشريع قوانين غير قابلة للتطبيق أو خصها بشريحة معينة هي بالأساس قادرة على التركيب من دون قرض.
حل مساعد وليس شاملاً
وقال الأسعد: المواطن يعتقد أن الطاقات البديلة هي الحل السحري لأزمة الكهرباء، لكن في الحقيقة هي مساعدة في الحل وليست حلاً شاملاً سواء في سورية أو في أي دولة بالعالم لأسباب موضوعية؛ أهمها أن الاستمرارية والاستطاعات المولدة منها تبقى صغيرة مقارنة بحاجات الدول، كما أن الاستثمار فيها يحتاج إلى رأسمال كبير وهي لم تنشأ كحل لنقص الكهرباء ولكن وجدت من مفهوم بيئي كطاقة نظيفة وبهدف التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي سينضب عاجلاً أم آجلاً، كما أن الخطر الكبير الذي نجم عن انفجار المفاعلات النووية في أوكرانيا واليابان مؤخراً جعل الدول والشعوب ترفض الاعتماد على الطاقة النووية وتشجع الطاقات البديلة.
وأضاف: نحتاج إلى حوالي 5000 ميغا واط لسد الفجوة بين المولّد حالياً الذي لا يتجاوز 2600 ميغا والحاجة الحقيقية، فإذا ولّدنا هذه الاستطاعة من خلال محطات شمسية سنحتاج إلى حوالي 3 مليارات دولار، ولكن هذا من الممكن أن يجعلنا في حال استقرار خلال 7 ساعات نهاراً فقط، وفي ظل وجود الشمس صيفاً هو واقعي ومتاح ولكن في الأيام الغائمة والماطرة في الشتاء سيعود العجز مجدداً.
أما في حال تم تركيب طاقة ريحية لسد عجز الـ5000 ميغا فنحن نحتاج إلى 6 مليارات دولار تقريباً ولكن هذا أيضاً لا يؤمن استقراراً وديمومة، لأنه في ساعات معينة لا توجد رياح، علماً أن إنتاجية الرياح بين 40% و 60 % من الوقت أي أفضل من الشمسي ولكن التكلفة أكبر وتحتاج إلى تكنولوجيا أكثر تعقيداً، مشيراً إلى أن الحل بالاعتماد على الطاقة الريحية في الأماكن التي كمونها الريحي مدروس وجيد كمناطق (قطينة وتدمر والسويداء ومصياف والغاب وحسياء والرستن) لأن كمونها الريحي جيد، موضحاً أن الاعتماد على الطاقة الشمسية أو الريحية سيوفر وقوداً يمكن استخدامه في الوقت الذي لا توجد فيه طاقة ريحية أو شمسية، إذاً هو حل مساعد وفعال وهو خيار عالمي وليس خياراً سورياً فقط.
ومن الناحية البيئية أكد أن الاعتماد على الطاقة الريحية أفضل من الشمسي رغم ارتفاع تكاليف تنفيذها، وذلك لأنها لا تحتاج إلى مساحات أرض كبيرة وتجدد الهواء، وأن الأجيال الجديدة منها أشكالها جميلة ويتم استخدام البحار لزرعها فيها حتى لا تظهر تلوثاً بصرياً على الطبيعة.
رؤيا قابلة للتنفيذ
ورأى الأسعد أن الموثوقية ستكون أكبر والتكاليف أقل في مثل هذه المشاريع عندما تتبنى الكهرباء استثمارها، أو من خلال التعاون مع دول صديقة لها الخبرة العالمية الواسعة، فما نراه من تجهيزات وتنفيذ لهذه المشاريع لا يرقى إلى العمل الهندسي، مؤكداً أن وزارة الكهرباء وحدها غير قادرة في الوقت الحالي على تمويل مشاريع كبيرة كهذه ولكن بقروض ميسرة من الدول الصديقة وخصوصاً الصين يمكن إنجاز هذه المشاريع.
وقدّم الأسعد رؤيا يمكن تطبيقها وتكمن في مشاريع استثمارية وشركات مساهمة فوزارة الزراعة تقدم الأرض غير القابلة للزراعة، منوهاً إلى أن أغلب المشاريع حالياً تقام على أراض زراعية خصبة ومنهم من قلع أشجار الزيتون والليمون وبنى محطات شمسية وهذا يحمل في طياته خطراً كبيراً لأننا بحاجة ماسة لكل شبر مزروع بسبب الحصار الأمريكي الغربي الظالم المفروض علينا، أما وزارة الكهرباء فستكون معنية بتجهيز البنى التحتية من محطات التحويل وخطوط نقل الكهرباء بينما المستثمر معني بتقديم رأس المال، وكل له حصة مناسبة وعادلة ويمكن طرح الأسهم للاكتتاب العام وعندها ستكون الشفافية مؤمّنة وتستفيد كافة الأطراف.