في رؤية “سورية 2030”.. 5 محاور لتحقيق التنمية الشاملة
كان من الضروري أمام ما خسرناه خلال سنوات الحرب الظالمة على سورية من بنى اقتصادية وخدمية وغيرها, من وضع رؤية استراتيجية وبرامج زمنية لإعادة إعمار ما خربه الإرهاب وبناء سورية من جديد، من هذا المنطلق تم تشكيل فرق عمل شاركت في وضع البرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد سنوات الحرب تحت عنوان (الخطة الاستراتيجية سورية 2030) حيث شاركت في إعداده جميع الوزارات من دون استثناء , ورعته هيئة التخطيط والتعاون الدولي وأصدرته وثيقة رسمية حصلت (تشرين) على نسخة منها , والبرنامج وضع رؤية بعيدة المدى تساعد في التأسيس لإرساء الأرضية اللازمة للوصول إلى امتلاك الميزات التنافسية، التي تقود إلى تحقيق نمو اقتصادي عالٍ، وإلى حيازة رأس مال مؤسسي فاعل يضمن الاستدامة والكفاءة في الأداء، وتدفع إلى التغير السلوكي، وإلى توليد رأس مال اجتماعي يتمثل في منظومة جديدة من قيم العمل , ثقافة المسؤولية الاجتماعية والثقة المتبادلة بين الأطراف الفاعلة في المجتمع وفي معاملات السوق والتنافس، وتساعد على بناء مسارات التنمية وتوسيع مساحة العمل الحر والتعريف بفرصه، وتأطر النشاط الاقتصادي على المدى البعيد عن طريق إدارة دفة الاقتصاد الوطني، والاستثمار في المشاريع الحيوية التي يحجم القطاع الخاص عن الاستثمار فيها، وتفعيل القوانين اللازمة لتسيير المعاملات، وتوفير حالة اليقين، وتنظيم القواعد المطلوبة للتنافس، وضمان البيئة التمكينية للأعمال والاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، والحد من مظاهر الاحتكار والاستغلال وغير ذلك..
وتنفيذ ذلك سيواجه بمجموعة من التحديات بعضها ناتج عن مسيرة التنمية الاعتيادية، التي تعمقت بسبب الحرب على سورية وغاب عنها في هذه الفترة التخطيط الاستراتيجي، وبعضها الآخر ناجم عن مفرزات ومنعكسات الحرب.
وانطلاقاً من تحليل الواقع الراهن للاقتصاد الوطني، والتحديات والفرص المتاحة تم وضع رؤية وأهداف اسراتيجية ومرحلية لكل محور من محاور البرنامج منبثقة عن الرؤية الكلية متكاملة فيما بينها، تمثلت في خمسة محاور أساسية:
المحور الأول: الحوار الوطني والتعددية السياسية؛ بلد موحّد ينعم فيه المواطنون بالتآلف والتسامح، ويحافظون على هويتهم الوطنية الجامعة، ويملكون الإرادة والرغبة والقدرة على إبداع وتطوير طرائق تنظيم الدولة وإدارة شؤونها، على النحو الذي يسمح بإدارة راهنها وتطويره بكفاءة، وضمان نموها وازدهارها المستدام، مستفيدة مما وصلت إليه الخبرة الإنسانية، ومن وعي تجربتها الخاصة.
المحور الثاني الإصلاح الإداري وتعزيز النزاهة: من خلال إيجاد مؤسسات حكومية تتمتّع بالكفاءة، فعالة تتسم بالشفافية، والنزاهة، والمرونة والرشاقة، وتخضع للمساءلة وتعزيز التشاركية المجتمعية، وتحقق التنمية المستدامة.
كما يسعى المحور لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المتضمنة تعزيز ورفع كفاءة المؤسسات والخدمات، وتحسن جودة الموارد البشرية، وإرساء اللامركزية الإدارية والمالية، وتعزيز مبدأ فصل السلطات وسيادة القانون، وتوفر مؤسسات رقابية فاعلة.
المحور الثالث النمو والتنمية: اقتصاد متطور يدعم التنمية الشاملة والمتوازنة، عن طريق تحقيق معدلات نمو وتشغيل مرتفعة ومستدامة، ويوفر دخلاً لائقاً، ويحقق العدالة الاجتماعية، ضمن إطار تشاركي واسع يضم جميع فئات المجتمع والقطاعات، ويستند إلى قاعدة إنتاجية متنوعة تواكب التطور التكنولوجي والمعرفي .
ويسعى المحور لتحقيق الأهداف الاسراتيجية المتضمنة تحقيق معدلات نمو مستدام، ومكافحة الركود التضخمي، وضمان عدالة التوزيع، وتحقيق الأمن الغذائي ومكافحة الفقر، وتحسن جغرافية التنمية، وإنجاز تنمية قائمة على التكنولوجيا الحديثة والمعرفة، وتحقيق معايير العمل اللائق، والاعتماد على الذات والانفتاح على الخارج.
أما الأهداف الاستراتيجية “الغايات” لهذا المحور فتتركز في:
– تحقيق نمو شامل وسريع يوظف الإمكانات المتاحة المحلية والخارجية، بكفاءة عالية، وبناء نظام نقدي ومالي مستقر داعم للنمو الاقتصادي والتشغيل قائم على بنية تحتية مالية متطورة وكفوءة.
– اقتصاد منفتح على العالم بفضل تجارة خارجية قادرة على المنافسة، ومحفزة للإنتاج المحلي , وإيجاد سوق عمل كفوءة تسهم في زيادة معدلات التشغيل.
– زراعة متطورة ذات إنتاجية عالية وصناعة سورية تنافس محلياً وإقليمياً، هي المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي، إلى جانب صناعة سياحية استراتيجية، مشاركة في إعادة البناء الشامل لسورية.
– بناء سوق تجارية داخلية منظّمة وفعالة، يسودها الاستقرار والمنافسة، خالية من الاحتكار، وتضمن حقوق المستهلك والمنتج معاً, و تحقيق الانتفاع الأمثل من الموارد المائية والحفاظ على استدامتها.
– تحقيق تنمية محلية وإقليمية متوازنة توظف الطاقات المحلية والإقليمية لتحقيق تكامل وشمولية التنمية، بمشاركة فاعلة للمجتمعات المحلية، وتحافظ على الموارد البيئية وتحقق استدامتها إلى جانب الانفتاح على دول العالم وبناء علاقات تعاون دولي على أساس تشاركي وعلى تحقيق المصالح.
المحور الرابع يكمن في تطوير وتحديث البنى التحتية والخدمات عن طريق إيجاد بنى تحتية متطورة تواكب الحداثة وتعزز الاستدامة البيئية في استغلال الموارد والقدرات المحلية بكفاءة، وتستثمر في الطاقات المتجددة.
يسعى المحور لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المتضمنة توفر مقومات عودة المهجرين بسبب الإرهاب إلى مناطقهم ومنازلهم، وإعادة إعمار البنى التحتية وفق منظور جديد ينطلق من مبادئ التخطيط الإقليمي، وبنى تحتية جاذبة للاستثمار وتوفير احتياجات القطر من النفط والغاز والمشتقات النفطية، ورفع كفاءة استخدام الطاقة وترشيد الاستهلاك.
أما الأهداف الاستراتيجية “الغايات” لهذا المحور فتتركز في: تحقيق الأمن الطاقي لتلبية أكبر قدر ممكن من حاجة السوق المحلية وتخفيف أعباء الاستيراد وتعزيز القيمة المضافة في الاقتصاد السوري، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب على المشتقات النفطية والكهرباء، وذلك بالتلازم مع كفاءة الاستخدام.
– بناء منظومة نقل متطورة ومستدامة تشكّل عصب التنمية الوطنية ورابط مكوناتها المكانية، تستغل مكانة سورية كعقدة ربط بين دول شمال وجنوب وشرق غرب سورية، وتحقق تكامل أنماط النقل البري والجوي والبحري، وتحافظ على معايير السلامة والاستدامة.
أيضاً استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز التنافسية ورفع الكفاءة والإنتاجية، وتلبية احتياجات الأفراد والمؤسسات بجودة عالية وأسعار ميسرة.
المحور الخامس التنمية الاجتماعية والإنسانية : بناء مجتمع ممكّن اقتصادياً ومعرفياً، يتمتع أفراده بمستوى صحي وتعليمي لائق، قائم على التشاركية والعدالة الاجتماعية، وعلى منظومة حماية اجتماعية فاعلة وكفوءة، تتكامل فيه الأدوار لاستدامة التنمية.
أمّا الأهداف الاستراتيجية “الغايات” لهذا المحور فتتركز في بناء منظومة تعليمية وبحثية وثقافية ومعاصرة ومتجددة تسهم في تطوير المجتمع المحافظ على هويته وثقافته الأصيلة والمنفتح على الثقافات الأخرى، والمعتمد على المعرفة مصدراً أساسياً للتنمية المستدامة والازدهار، وأساسه الأسرة المتماسكة، أفراده ممكنون ومنتجون، يتمتعون بمستوى معيشي أفضل، وبشبكة حماية اجتماعية كفوءة، فيه قطاع أهلي واع وفاعل، وتتكامل فيه الأدوار لتحقيق التنمية الشاملة القائمة على أسس التشاركية والعدالة الاجتماعية.