أمانٍ اقتصادية وحكومتنا الجديدة
أقول: كمواطن سوري بأني أتوسلّ لله سبحانه وتعالى راجياً أن يوفّق حكومتنا الجديدة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية وخاصة تداعيات الحرب الكونيّة على بلدنا الغالي، مع أمنياتي لمن انتهت مهمته الحكومية بالتوفيق والنجاح المستقبلي وعلى الصعيدين العام والخاص، وأن تتجاوز الدولة السورية كل تداعيات الإرهاب الداخلي والخارجي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الدولة أكثر اتساعاً من مفهوم الحكومة، حيث إن الدولة كيان شامل يتضمن المجتمع ومكوناته وأعضاءه كمواطنين، أما الحكومة فهي جزء من الدولة تتابع وتشرف على تنفيذ سياستها، أي هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل لها، وتواجه الحكومة في أوقات الحرب والأزمات تحديات كبيرة من أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية وداخلية وخارجية …إلخ.
ومن أهم التحديات التي تواجه حكومتنا العتيدة بعد حرب مضى عليها أكثر من عشر سنوات على سورية, ولم تنتهِ الحرب لكننا حققنا انتصارات سياسية وعسكرية وداخلية وخارجية كبيرة، معاناتنا اقتصادياً وخاصة أن قوى الاحتلال والعصابات الإجرامية والقوى الخائنة تسيطر على جزيرتنا السورية الحبيبة التي تضم أكثر من «60%» من الثروة السورية، وهنا نرى ضرورة وضع رؤية اقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي Macroeconomics للاستغلال الأمثل للموارد والطاقات المتاحة ومن ثم تفعيل الموارد والطاقات الكامنة، والتوجه لزيادة الكفاءة الاقتصادية وخاصة من خلال تفعيل دورة العجلة الاقتصادية وزيادة الاستثمارات وتوجيهها بشكل يتناسب مع زيادة خلق القيم المضافة، لأن الاستثمارات ولاسيما في المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي الحامل الحقيقي للتنمية المجتمعية، وهي التي تساهم في تقليل تداعيات الحرب السلبيّة بمؤثراتها الخارجية والداخلية وتساهم في معالجة الركود والكساد وتحقيق الانطلاقة الاقتصادية، وخاصة إذا انطلقنا في رؤيتنا وإجراءاتنا, وكخطوة أولى من تفعيل قطاع الإنتاج المادي أي القطاع الزراعي والصناعي وتطوير القطاع الخدمي المخدم لهما، ومن ثمّ ننتقل إلى بقية القطاعات الأخرى، وهذا يتطلب بشكل واقعي ومحدد العمل لزيادة الإنتاجية في الصناعة والمردودية في الزراعة، وأن يعبّر عن هذه الزيادة بمؤشرات رقمية، أي العمل لتحسين الإنتاجية المعبرة عن حصة العامل الواحد من القيمة الإجمالية للناتج النهائي أو زمن العمل المستهلك لإنتاج وحدة واحدة من المنتجات النهائية، والعمل أيضاً لزيادة المردودية الزراعية التي تعبّر عن قيمة الناتج النهائي لوحدة المساحة أي الهكتار، ومن ثم تفعيل التشبيك «الزراعي الصناعي», والبدء من الصناعة التحويلية بشكل عام ومن التصنيع الغذائي بشكل خاص، وهكذا تتولدّ عوامل تفعيل الدورة الإنتاجية من ذاتها ولذاتها وبذاتها، ومن جهة أخرى فإننا نرى أن من أهم أهداف الحكومة هو تحقيق العدالة الاجتماعية بين الفعاليات الاقتصادية والمجتمعية وخاصة من ناحية تطبيق الأنظمة الضريبية وإعادة توزيع الدخل بشكل يضمن الاستقرار الاجتماعي ويكون دافعاً لزيادة معدل النمو الاقتصادي, وتالياً زيادة قيمة الناتج المحلي الإجمالي الذي يعدّ بمنزلة «الكعكة المجتمعية الاقتصادية» التي ستتوزع على كل مكونات المجتمع، وأن يكون معدل النمو حقيقياً أي من القطاعات الإنتاجية, لأنه كما قال الاقتصادي الأمريكي ( إدوار آبي 1927-1989 ) الذي تخصص بإعداد دراسات اقتصادية حول التعامل مع الأراضي العامة, وخاصة بعد أزمة الكساد الكبير الغربية سنة 1927-1939 : إن السَّعي لتحقيقِ النموِّ الاقتصاديِّ فقط من أجل النموِّ هو استراتيجية الخليّة السَّرطانيَّة، وعند تحقيق ذلك نستطيع مواجهة التحديات الاقتصادية مثل (زيادة الدخل وتخفيض معدلي البطالة والتضخم ومستوى الأسعار…إلخ)، وعندها نعالج الكثير من الأمراض الاقتصادية مثل: التضخم وهو كمرض الملاريا يجعل الحياة كريهة والبطالة وهي آفة اجتماعية واقتصادية، وهذا يتطلب زيادة كفاءة كل من السياسة النقدية المتضمنة أسعار الفائدة والصرف وسعر الخصم، والسياسة المالية من الضرائب والرسوم وزيادة الإيرادات، والتجارة الخارجية أي زيادة الصادرات وترشيد المستوردات وإحلال السلع المنتجة محلياً محل السلع المستوردة، وهذا يعدّ جوهر ومضمون الدور الاقتصادي للحكومة وخاصة تدخلها في الأسواق ولاسيما في الأوقات الاستثنائية واللا طبيعية لكن بشرط أن تتحول الحكومة من جهة وصائية إلى تنموية لأن الأسواق وبكل واقعية تميل نحو الأقوى على حساب الأضعف, وهي ليس كما قال (آدم سميث): إنها تنظم نفسها بنفسها عبر «اليد الخفية للأسواق» أي تتوازن بفعل المنافسة التامة Perfect competition , وهنا يأتي دور حكومتنا الجديدة وكخطوة أولى وخاصة في وقتنا الحالي من ناحية تشجيع المنافسة واستغلال الطاقات بمختلف أنواعها واختيار ودعم القطاعات الرائدة ذات القيم المضافة العالية ووفقاً لبرامج زمنية.