بعد أن طالت ساعات بقائهم بالمنزل .. ما تأثير الرسوم المتحركة على حياة الأطفال ..؟
تعد مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة للأطفال جزءاً من حياتهم اليومية، فقد نشأ البعض عليها، وتخيلت الكثير من الفتيات أنفسهن أميرات، والفتيان فرساناً شجعاناً، فما تأثير أفلام الرسوم المتحركة على سلوك الأطفال ونفسياتهم؟
د. نجاح محرز رئيسة قسم تربية الطفل في كلية التربية – جامعة دمشق بيّنت أن مرحلة الطفولة من أهم الحلقات العمرية للإنسان، وقد شدد علماء النفس والتربية على التأثير الكبير للتربية في السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل، ولا يخفى الأثر الكبير لوسائل الإعلام بكل أشكالها على سلوك ونفسية الطفل، وما قد يكتسبه من مشاهدته لأفلام الرسوم المتحركة، ويمكن أن نجد هنا تبايناً للآراء حول تأثير الرسوم المتحركة على نفسية وشخصية الطفل، فالبعض أكد أنها سلاح ذو حدين لها أبعاد إيجابية وأخرى سلبية.
يمكن أن نقف باختصار على البعدين الإيجابي والسلبي، فالتأثيرات الإيجابية توسع أفق التفكير لدى الأطفال، فهم قادرون على التعلم المعرفي من الرسوم المتحركة، واستخدام مستويات التفكير العليا لقبول تلك المعلومات، كما أن تنمية القدرة على الابتكار تساعد الطفل على اكتساب الصفات الإنسانية، لتعزيز شعور الانتماء للجماعة لدى الطفل، باعتبار الجو الجماعي عاملاً مهماً في تحقيق الصحة النفسية، إضافة لزيادة وإثراء خبرات الطفل، إلى جانب المتعة والتسلية نحو الجانب اللغوي من خلال الرسوم المتحركة.
ومع كل الإيجابيات المتوفرة للرسوم المتحركة، إلا أنها لا تخلو من السلبيات على سبيل المثال لا الحصر: تأثير الرسوم المتحركة على نفسية الطفل وسلوكياته، خاصة تلك التي تحوي في طياتها عنفاً وعدواناً، الأمر الذي يؤثر في اتجاهات الطفل، وتجعله يتقبل العنف بأنه سلوك جيد، وخاصة بالنسبة للأطفال الذين لا يميزون بين الخيال والواقع.
– التلقي لا المشاركة، فالطفل يجلس من دون أي حركة أو مشاركة، فقط يتلقى، وذلك يؤثر في صحته الجسدية.
– تقليد بعض الأطفال حركات الشخصيات الكرتونية المجسدة للخوف والعنف والقسوة.
– قد تتشكل لدى الطفل انطباعات إيجابية عن أفعال سلبية قبل تصور الفعل الجرمي.
– ارتفاع نسبة موضوعات الخيال في برامج الأطفال، ومنها الرسوم المتحركة، مقارنة ببرامج الواقع تجعل الطفل يعيش في عالم الأوهام والخيال بعيداً عن الخبرات الواقعية.
– إضعاف انتماء الطفل لوطنه وبيئته، لأن أغلب ما يشاهده من الرسوم المتحركة من بيئة وأشخاص ومجتمع لا تنتمي لمجتمعنا، وهذه الرسوم التي تأتينا من الخارج تؤثر سلباً في الأطفال، لكونها لا تعكس الواقع، ولا القيم العربية، الأمر الذي يسهم في تشكيل صراع نفسي – شخصي لدى الطفل، بين ما يتعلمه وما تقدمه الرسوم المتحركة.
وعن الحلول قالت د. محرز: لتلافي هذه السلبيات على الآباء والأمهات والمعنيين بأمر الطفل، قضاء وقت ممتع أطول معه، والتحدث إليه مباشرة، وتقليل مدة مشاهدته للرسوم المتحركة بما لا يتجاوز 3 ساعات أسبوعياً.
صرف الطفل إلى بدائل أكثر ملاءمة، كالقصص والرياضة الخفيفة، وإيجاد بدائل تعمق الثقافة من إنتاج أفلام الرسوم المتحركة محلياً (تمثل البيئة المحلية).
بدورها د. كفاح الحداد مدير المركز الإقليمي لتنمية الطفولة المبكرة بيّنت أن لمرحلة الطفولة تأثيراً مهماً في حياة الطفل كفرد في المجتمع, وفي نشأته وتكوين ملامح شخصيته وطباعه وسلوكه, فلذلك نؤكد بأن دور العائلة والمجتمع والمؤسسات التربوية والتعليمية مهم جداً في هذه الفترة ، وهناك عوامل أخرى في بناء شخصية الطفل والتأثير على سلوكه.
حقيقة يوجد الكثير من المؤثرات يستهان بها أو لا تجد اهتماماً كافياً بمدى تأثيرها الإيجابي، أو السلبي على الطفل، ومن هذه المؤثرات أفلام الرسوم المتحركة.
فالأطفال أكثر شريحة تتأثر بالوسائل المرئية كالتلفاز, من خلال ما يقدم على الشاشات، ولها تأثير كبير في سلوك الطفل ونمط أفكاره، حيث باتت تلعب دوراً مهماً في صياغة الأفكار والتوجهات وحتى التأثير على المعتقدات, من خلال ما يعرض فيها.
فمثلاً الرسوم المتحركة تشدهم برسومها الزاهية والملونة، وشخصياتها الغريبة القريبة من مخيلاتهم وأحلامهم والألوان المحببة لنفوسهم، لذا فقابلية التأثير في نفوسهم تكون كبيرة سلباً أو ايجاباً، فهي سلاح ذو حدين.
ومن سلبياتها بحسب د. الحداد أنها أجنبية الإنتاج والهوية على عقول أطفالنا، لأنها صممت لغيرهم وبعقلية غير عقليتهم وثقافتهم، ما يجعلها تعلّم الأطفال بعض عادات لا تتماشى مع طبيعة مجتمعاتنا العربية، حيث تعرض بعض هذه الرسوم المتحركة أفلاماً تحث الطفل على العنف والإجرام، وتجعله يميل إلى العدوانية في تصرفاته، و يعتاد التلقي وليس الاكتشاف أو الإبداع لأنه لا يشارك فيها ولا يكتسب مهارات في هذا السن الذي يكون فيه بحاجة إلى تعلم القراءة والكتابة واكتساب المهارات .
كما تقلل من درجة تفاعل الطفل مع أفراد أسرته، حيث إنهم يتركون أطفالهم ساعات أمام هذه الأفلام ليستريحوا او لينجزوا أعمالهم الأخرى، في حين الجلوس لفترات طويلة أمام التلفاز لمتابعة هذه الأفلام تضر بصحة الطفل، وتؤثر على نظره وتضعف بصره، وتلهي الأطفال عن أداء واجباتهم، وتحرمهم الحصول على ساعات كافية من النوم، إذا لم ينظم الأهل ساعات المشاهدة وتحت إشرافهم.
وليس هذا وحده، بل إن المبالغة في مشاهدة أفلام الكرتون في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، قد تؤدي إلى تراجع معدلات ذكائه، وقدرته على التواصل والتحصيل اللغوي السليم.
وأشارت حداد إلى أن قلة الإنتاج المحلي في إنتاج الرسوم المتحركة، تفتح الباب على الاستيراد من الخارج المختلف لغة وثقافة، الأمر الذي يؤثر سلباً على الأطفال، لكونها لا تعكس الواقع الذي يعيشه، على اعتبار أن تلك البرامج تأتي حاملة لقيم البلاد التي انتجتها وتعكس ثقافتها، الأمر الذي يسهم في تشكيل صراع نفسي وشخصي لدى الطفل بين ما تعلمه من والديه والمدرسة، وما تقدمه تلك البرامج من قيم وأفكار مستوردة متضمنة نماذج من العنف والسلوك الخاطئ.
وأوضحت أن للوالدين دور كبير في تنظيم وقت الطفل بين الشاشات على اختلاف أنواعها، وبين اللعب والأنشطة الأخرى، وعليهم مراقبة ما يشاهده الطفل لحمايته .
الاستشارية التربوية ربى ناصر بينت أن مشاهدة التلفاز وأفلام الكرتون تملأ الفراغ عند الطفل، فنحن كأهل نتمنى أن نملأ وقت أطفالنا بكل مفيد ومجدٍ ويحث على الإبداع، لكن ممكن أن نتحدث عن الدواعي الايجابية لمشاهدة أفلام الرسوم المتحركة، ومن أهمها التأثير الجيد على سلوك الطفل، واكتسابه مهارات حياتية، فهناك بعض الأفلام التي تسرد لنا حكايات مختلفة تساعد على تقوية أواصر المحبة والعلاقات الاجتماعية، وتضيف الكثير من العادات، كالالتزام بآداب الطعام والنظافة والعمل التعاوني، وأهم عنصر في مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة تقديمها باللغة العربية الفصحى، ما يجعلها تساعد الطفل في اكتساب مفردات جديدة قد يفتقدها في المحيط الأسروي، بالإضافة إلى تنمية الخيال من خلال الحكايات ما يحفز على الإبداع وتنمية الخيال، هذا ما ندعوه بالأفلام الهادفة، لأنها تضيف أهدافاً تربوية بغض النظر عن التسلية، فنحن ندخل ما نريد من مفاهيم وقيم وأخلاقيات وسلوكيات من خلال فيلم كرتوني هادف.
د غنى نجاتي اختصاصية الصحة النفسية بيّنت أن التنشئة الاجتماعية والثقافية لم تعد متوقفة على دور الأسرة فحسب، بل باتت الوسائل البصرية الإعلامية كالرسوم المتحركة، وما تطرحه من صور وأفكار تؤثر في عقول الأطفال ومعتقداتهم، فالطفل يعتمد سلوك التقليد والنمذجة لشخصيات الكرتون التي يتابعها، ويكون هذا الاقتداء والتقليد على صعيد اللاشعور، ما يوقع الطفل بمشاكل سلوكية واضطرابات نفسية، إذا كان محتوى الرسوم المتحركة سلبياً أو عنيفاً أو متناقضاً مع مفاهيم البيئة المحلية، وخصوصاً أن الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة لا يستطيعون التمييز بين الواقع والخيال، لذلك يعتقد الطفل بأن كل ما يشاهده في الرسوم المتحركة حقيقي، وليس مجرد قصة خرافية، فقد نجد الأطفال مصدقين وجود بابا نويل، وجنيات الأسنان، وقدرة الأبطال الخارقين على الطيران ورفع السيارات، لذلك أنصح الأهالي بمراقبة ومتابعة محتوى ما يشاهده أطفالهم، لأن الطفل الصغير بحاجة للتوضيح، والإعلان الصريح من الأهل عن مدى صحة السلوك المشاهد، وما إذا كان ملائماً وآمناً وغير مؤذٍ.