ثمانية أيام ولا يزال المشهد نارياً في تركيا التي أعلنت ولايات عدة “مناطق منكوبة” على خلفية تعرضها لحرائق واسعة أسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص وجرح العشرات، وعرّت الدعاية الرسمية المغرقة في تضخيم “إنجازات” نظام رجب أردوغان المنفصل عن الواقع، لتدلل بشكل فاضح على استهانته بالتعاطي مع خطر لم يكن مفاجئاً، بوصفه حدثاً يتكرر سنوياً.
ما بين إعلانات رسمية روّجت منذ اليوم الأول للسيطرة على معظم الحرائق، وبين اتساع نطاقها على الأرض التي تحولت لكرة نار متدحرجة، تناقض مفضوح لمكابدة الحكومة التركية مداراة فشلها في مجابهة كارثة الحرائق الآخذة بالتمدد.
يخشى أردوغان أن تعمّق أزمة الحرائق من مأزقه السياسي والاقتصادي وهو الذي يستعد لخوض انتخابات عام 2023 بشعبية تتأرجح في أدنى مستوياتها، لذلك حاول الالتفاف على إخفاقاته ببيع الأوهام للشعب التركي مطلقاً وعود التعويضات في كل اتجاه لاحتواء غضب المتضررين الذين يساورهم الشك في صدق هذه الوعود.
وفيما الخيبة تنهش صدور الأهالي في الولايات التي اندلعت فيها الحرائق، سارع أردوغان، كعادته، للقفز على أوجاع الأهالي واستثمار المناسبة بغض النظر عن أسبابها لخدمة دعايته الانتخابية، حيث وزّع الشاي على أهالي بلدة مرمريس التي تنهشها النيران، وقال على الملأ: “لا شيء تفعله، على الأقل احصل على الشاي!”، ما أثار موجة انتقاد واسعة، وكأن الحرائق التي أكلت أرزاق الأهالي وخلّفت قتلى وجرحى فرصة للتكرّم على الناس بتوزيع بعض أكياس الشاي!.
وفيما تساءل معارضون أتراك عن إمكانية شراء صمت الناس ببعض الرشا المستهلكة؟ استنكر الكاتب التركي مصطفى قره علي أوغلو ما فعله أردوغان، بالقول: “بينما كانت حرائق الغابات تضرب قلب البلاد، كان رمي أردوغان الشاي مراراً وتكراراً، وكأن شيئاً لم يحدث لأولئك الذين جاؤوا للاستماع إليه، وكأن كل شيء طبيعي ولا توجد كارثة”.
عجز نظام أردوغان وفشله بالتعاطي مع إخماد الحرائق، أثار انتقاد المعارضة التركية التي وصفت الاستجابة الحكومية بأنها غير متناسبة مع الحادث الذي يتكرر سنوياً، واتهمت أردوغان بالوقوف متفرجاً أمام ألسنة اللهب وعدم توفيره طائرات لإخماد الحرائق، إذ قال كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري: “أردوغان اشترى 13 طائرة خاصة لنفسه بدلاً من طائرات الإطفاء، إذ كان يمكن أن يشتري طائرة واحدة لنفسه، و12 طائرة إطفاء أخرى لإخماد الحرائق التي تندلع سنوياً”، وأضاف: “تتخذون إجراءات من الصفر كما لو أننا نشهد مثل هذه الحرائق للمرة الأولى، هذا هو أكبر ضعف للحكومة فلا يوجد تخطيط ولا بعد نظر”.
في حين قال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري فائق أوزتراق بتهكم: “فيما الحرائق مستمرة يكتفي أردوغان بالتجول عبر مروحيات خاصة، أولئك الذين قالوا سنذهب إلى القمر قبل شهرين، ليس لديهم طائرة لإخماد الحرائق!”.
المثير أنه فيما الولايات التركية المنكوبة تبكي خسائرها، يواصل أردوغان وحزبه القفز على وجع المتضررين والتحليق خارج سرب الأزمات المتلاحقة التي تعصف بتركيا، بالدعاية السياسية “لإنجازات” التي أثبتت الوقائع أنها مجرد وهم وخطاب للاستهلاك الإعلامي والالتفاف على الأزمات لاستمالة الشارع تمهيداً للانتخابات القادمة.