يستمر “نظام أردوغان” باتباع سياسية لا أخلاقية في “حرب المياه” التي ينتهجها ضد سورية والعراق، وذلك بقيام هذا النظام بتخفيض منسوب جريان نهر الفرات عن النسب القانونية المتفق عليها مع البلدين بموجب الاتفاقيات الدولية المودعة لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة.
وتعاني الأراضي الزراعية والقوى البشرية في سورية والعراق من شح مياه نهر الفرات نظراً لحجبها من تركيا التي استحوذت على حصة القطرين الشقيقين، مخالفة بذلك أحكام القانون الدولي الذي يحدد فيه حصة كل دولة، وحدث جراء ذلك هجرة الفلاحين والمزارعين تاركين أرضهم التي تدرّ عليهم محصولات وفيرة، وحدائقهم التي زيّنت شواطئ نهر الفرات نظراً لما حلّ بهذه الأرض من تصحّر وهلاك للمواشي ونضوب للأهوار التي تقع في وسط العراق وجنوبه، إلى جانب حاجة الأراضي الزراعية والتجمعات السكانية في الجانب السوري التي تحتاج إلى كميات وفيرة من مياه نهر الفرات الذي كان في يوم من الأيام يفيض بالمياه التي غمرت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في سورية والعراق.
إن ما يقوم به نظام أردوغان من أعمال عدوانية بحجب المياه عن العراق وسورية لهو دليل آخر على أطماع هذا النظام، سواء كان في منع المياه أو في احتلال الأراضي العراقية والسورية بالقوة، وقد نبه الجانبان العراقي والسوري إلى خطورة الموقف المتفاقم من جراء هذا الاعتداء التركي بسرقة مياه الفرات خلافاً لحقوق الشعوب في تنمية مواردها الزراعية والصناعية، والاعتماد على زرع مساحات واسعة في الصحراء والبوادي، وحاجة التجمعات السكانية التي تعيش على شواطئ نهر الفرات إلى سقي مزروعاتهم والشراب اليومي.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا أبرمت معاهدات في الآونة الأخيرة مع العدو الإسرائيلي لبيع مياه نهر الفرات له ومدّ أنابيب للمياه عبر البحر المتوسط، كما أن الأتراك قاموا بتوسيع سد (كيوان) وملؤوه بالمياه إلى جانب بناء /4/ سدود أخرى لحجب المياه المتدفقة من الأنهر الفرعية التي تصب في نهر الفرات مثل (مراد صو وفرات صو).
المؤامرة التركية- الإسرائيلية يُراد منها تحويل أراضي القطرين الشقيقين العراق وسورية إلى واحات من التصحر وهجرة آلاف الفلاحين والمزارعين من أراضيهم، وتدمير الاقتصاد الوطني وشلّ حركة العمران، ومنع زراعة الرز والحنطة والشعير، وموت الأشجار والخضروات وقتل النخيل في سورية والعراق، إضافة إلى إيقاف الطاقة الكهربائية..
إن تركيا تمثل الخطر الخارجي بتهديد العراق وسورية، فهي التهديد الأكبر للأمن المائي العربي كما هي إثيوبيا التي تمثل التهديد لمياه النيل وسلب حقوق القطرين العربيين مصر والسودان وبناء السدود على نهر النيل (سد النهضة)، ما أثار مشكلة كبيرة نقلت إلى مجلس الأمن الدولي لمناقشتها، وهكذا نجد أن إقدام تركيا على تحويل مجرى نهر الفرات خلال شهر بهدف التخزين ليطرح سؤالاً جلياً حول مستقبل العلاقة بين العرب ودول الجوار الإقليمي في ضوء انتقال ذلك الشارع الصامت إلى حيّز الفعل المباشر.
الخطر الخارجي بسلب المياه العربية ليس جديداً، والخطر التركي شريك للإسرائيليين في الاستحواذ على مياه العرب، فنهر الفرات الذي منعت تركيا مياهه عن الشعب العربي في العراق وسورية قد يخلق مشكلة في الأمن القومي العربي، ولاسيما أن هناك اتفاقية جديدة بين تركيا و«إسرائيل» لمد أنابيب مياه الفرات عبر البحر لتنقل المياه إلى «إسرائيل» وهو ما يوجب على العرب إعادة النظر بعلاقاتهم مع تركيا.
إن تركيا التي ما كانت في يوم من الأيام تجرؤ على سرقة مياه دجلة والفرات أصبحت اليوم تتحكم لوحدها بمصير المياه في هذين النهرين، ضاربة كل المواثيق والأعراف والقوانين الدولية بعرض الحائط، ومخالفة أحكام القانون الدولي في تقسيم المياه بين الدول الواقعة على ضفاف نهر الفرات.
من هنا لابد من موقف عراقي- سوري لوضع حد لاستهتار أردوغان بالاتفاقيات الدولية وتهديد حياة الملايين في سورية والعراق، ما ينبئ بأكبر كارثة زراعية وبيئية وسكانية تهدد البلدين.
وعلى الرغم من إثارة هذا الموضوع في مختلف المحافل الدولية إلا أن هذا النظام يأبى أن ينصت لصوت العقل والحكمة الدبلوماسية وذلك في إطار ممارسة سياسات وقناعات قصيرة النظر.
إن عدم إيلاء نظام أردوغان آذاناً مصغية لنداءات المجتمع الدولي ولمعاناة سورية والعراق وتهديد حياة الملايين ممن باتوا اليوم يواجهون العطش أكثر من أي يوم مضى من جراء الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة هو سلوك إجرامي يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب بفعل انتهاكه كل المواثيق الدولية والاتفاقيات وصكوك حقوق الإنسان التي تضمن جميعها حق كل إنسان في الحصول على مياه صالحة للشرب وحقه في عدم التعرض لوقف تعسفي لإمدادات المياه وتلوثها ويتوجب على جميع الدول احترامه وعدم المساس به.
أكاديمي وكاتب عراقي