ما بين الحقيقة والشك

تتفق واشنطن وموسكو على الحاجة إلى إقامة حوار بشأن الأمن السيبراني، اتضح هذا في قمة جنيف التي جمعت الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن الشهر الماضي.

وغداة القمة أكدت التصريحات الصادرة عن غير مسؤول روسي، الحاجة لمناقشة الأمن السيبراني، وقالت موسكو إنها ستطلق مع واشنطن في المستقبل القريب آلية حوار خبراء حول قضايا الأمن السيبراني، وذلك لمناقشة الهجمات والمستوى العام للتهديدات السيبرانية.

لكن واشنطن مضت بالاتجاه المعاكس، ما حصل خلال الساعات القليلة الماضية، وإعطاء الرئيس الأمريكي جو بايدن الضوء الأخضر لشن هجمات سيبرانية يبدد بنظر المراقبين المناخ الإيجابي الذي ساد غداة قمة جنيف.

بل ذهب المراقبون إلى اعتبار أن التوجه الأمريكي الجديد، بالرد والهجوم، بناء على فرضيات غير مؤكدة، قرار تعوزه الحكمة وبني على معلومات غير دقيقة.

وحسب الخبراء لا يكفي أن يكون المهاجمون يستخدمون لغة روسية أو ينطلقون من منطقة جغرافية معينة حتى نحمل موسكو وحكومتها المسؤولية، أو تبنى على هذه المعطيات حقائق.

ولعل ما قالته المتحدثة باسم البيت الأبيض يؤكد ذلك، فقد أكدت جين ساكي أنه لا تتوافر “معلومات جديدة تشير إلى احتمال أن الحكومة الروسية قادت تلك الهجمات”.

لكن يبدو أن الرئيس بايدن لم يأخذ بما قالته المتحدثة ساكي وقال بأنه “من المنطقي” بالنسبة للولايات المتحدة أن تشن هجمات على الخوادم المستخدمة في الهجمات السيبرانية على الشركات والهيئات الأمريكية. ورد بايدن بـ “نعم” على سؤال بشأن ما إذا كان يعتبر مثل هذه الخطوة مناسبة للرد على الهجمات السيبرانية التي يطالب منفذوها بدفع الفدية لهم.

بايدن طالب نظيره الروسي في محادثة هاتفية الجمعة بالتحرك لوقف هجمات إلكترونية مصدرها روسيا. ورد الرئيس بوتين قائلا إن “معظم الهجمات الإلكترونية في العالم تأتي من الفضاء الإلكتروني الأمريكي”، متهماً واشنطن بعدم التعاون ضد القراصنة الإلكترونيين.

بعد قمة جنيف أمل العالم أن تشهد العديد من الملفات الدولية حلحلة أو بداية مسار تسوية، لكن يبدو أن واشنطن تحتاج إلى كثير من الوقت حتى تستطيع أن تسير بطريق واضح وتتخلص من نهج الهيمنة. والحال فإن الرسالة التي تسمعها واشنطن من موسكو رداً على أي محاولة لرمي الكرة في الملعب الروسي تقول إن أمريكا هي المسؤولة الأولى عن تدهور العلاقات بين الطرفين.

ويؤكد عدد من الباحثين والمراقبين أن تدهور العلاقات بين واشنطن وموسكو يعكس رغبة أمريكية في استمرار التضييق على موسكو، وكسر أي تحالف إستراتيجي صيني- روسي يهدد مستقبل القطبية الأميركية.

ويتساءل آخرون حول ما إذا كانت هذه التطورات تؤشر لموجة جديدة من الحرب الباردة الجديدة، أو استمراراً لمخاض عسير لولادة نظام عالمي بتوازنات جديدة تميل نحو التعددية؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار