لم تكن “إسرائيل” بمعزل عن التحولات الإقليمية، وما أنتجته سياستها العدائية في المنطقة ككل، فأدت تحولات التوازن الإستراتيجي لنفاد خيارات الكيان الصهيوني الغاصب، وإصابة قادته بما يشبه الإرهاق والشلل الفكري والنفسي.
وبدأ الإعلام الإسرائيلي الحديث عن نتنياهو بالسخرية، وبشكل مشابه لما تحدث به الإعلام الغربي عن ترامب قبل عام من الآن.
فيسأل الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت: هل نتنياهو نسخة شرق أوسطية عن ترامب؟
ويضيف: (لايزال أمامنا الأسوأ، باستثناء التغيير المفترض باللحظة الأخيرة، فهل سيلجأ نتنياهو بالتخطيط لغزو ما على غرار ما حصل في الكبيتول (المقر الرئيسي للكونغرس) في الولايات المتحدة الأمريكية)، في القدس، وهل سيدعو أتباعه للخروج في مسيرة للكنيست؟
وهذا يعني أن تأطير القضية بهذه الطريقة مخادع ويشير إلى أن وضع “إسرائيل” أخطر بكثير مما هو مفهوم على نطاق واسع.. فحشرت تل أبيب نفسها في الزاوية الضيقة.
ومن المؤكد أن نتنياهو سيقوم على مدار الفترة الماضية بحجب حقيقة أن “إسرائيل”، تحولت بشكل حاسم إلى اليمين عبر الطيف السياسي المتهالك.
فأصبحت “إسرائيل” من الناحية الهيكلية يمينية وهذا سيمثل (ثورة ثقافية) إن صح التعبير وهي غير ملحوظة إلى حد كبير في أوروبا.
ويلاحظ الصحفي في صحيفة يديعوت أحرونوت تشين ارتزي سرور أنه لم يعد الاستيطان في الأرض الفلسطينية هو القضية الرئيسية التي تحتل ملفات الصهيونية الدينية، لاسيما فئة الشباب. وهذا ما انكشف بعد تحرك الصهاينة المتدينين لدمج أنفسهم في صنع السياسات والاتصالات وقرارات حكومية أيضاً.
فأصبح معروفاً أن الغالبية العظمى من الصهاينة المتدينين أكثر ليبرالية، وبالتالي يرسلون أطفالهم للمدارس والمجمعات الدينية وحركات الشباب قبل أداء الخدمة العسكرية.
ويلاحظ المحلل الإسرائيلي ميرون رابوبورت أن نتنياهو بنى قاعدته السياسية على الاستقطاب الشديد لخطاب الكراهية الذي ينهش باليمين الإسرائيلي.. ويعتقد أن طريقته الوحيدة في الحفاظ على السلطة هي وصف (نفتالي بينيت) بالخائن.
فما يفهم في واشنطن بأن التحول الإستراتيجي نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية والذي يمثل تغييراً جذرياً، قد منع حل الدولتين.
ومن خلال استطلاعات الرأي التي نفذتها مجموعة أميركية متخصصة على المسيحيين الإنجيليين حول “إسرائيل”، تبين انخفاض تأييد الصهاينة بشكل كبير بنسبة لا تتجاوز ٤٢%. وتمت مقارنة هذا الاستطلاع مع آخر أجري عام ٢٠١٨ حيث كان فارق التأييد ٢٠%.
أما بالسؤال عن المسؤول عن العنف بالمنطقة كانت نسبة “إسرائيل” ٥٩%.
وكما يبدو أن نجاح “إسرائيل” بتسليح معاداة السامية مؤخراً، أدى بشكل فعال لإصابة أوروبا بالشلل الذاتي بسبب الخوف على مصالحهم.
فما حدث بالقدس وفلسطين عموماً أدى لحشد فلسطيني ١٩٤٨ والقتال إلى جانب إخوانهم في غزة والضفة الغربية. ونصبت الفخ الذي من خلاله يمكن لأي استفزاز على مجمع الأقصى، أن يؤدي لحرب متعددة الجبهات.
وإلى الآن، لا أحد يريد الاعتراف بأن “إسرائيل” قد أهدرت فعلياً نافذتها على أي حل سياسي.
واليقين القديم المتمثل بالهيمنة العسكرية الإسرائيلية والتي تؤمن بالرضوخ الفلسطيني قد انتهى بشكل قاطع.
وهذا ما سيجعل “إسرائيل” تواجه حرباً متعددة الجبهات. فهل ستنفق أميركا دماءها وأموالها لانتزاع “إسرائيل” من مستنقعها الكبير؟
عن : إستراتيجيك كالتشر فاونديشن