تعرفون المثل القائل «زاد في الطنبور نغماً»، لكن لمن لا يعلم أن هناك نغمة جديدة مزعجة، وأقل ما يُقال فيها إنها نشاز بنت نشاز، فأثناء غرقك بالعتمة نتيجة التقنين في صحنايا، تكتشف فجأةً أن تلك البلدة الوادعة في الغوطة الغربية باتت مثل صحراء وغارقة بشح المياه، وأكثر ما تسمعه فيها هو هدير مضخات صهاريج المياه على مدار الساعة، لدرجة أنها تُطارِدك حتى في أحلامك، وتُخرِّب عليك مناخات الصفاء التي تخترعها في ظل انقطاع التيار الكهربائي بعيداً عن أنغام دوران الغسالة مثلاً، أو صوت محرِّك البراد الحنون، أو حتى النغمات الحنون لـ«بوجقة» نساء مسلسلات البيئة الشامية،… وفوق كل ذاك التخريب يأتيك الخبر الذي يقصم الظهر، بعدما تضطر لتعبئة خزانك الذي يَصْفُرُ صَفْراً، بأن «برميل الماء بألف»، أي إن خزان عشرة براميل بعشرة آلاف .. ليرة تنطح ليرة، فلا يسعك إلا أن تنطح أقرب حائط يصل إليه رأسك المُصدَّع أساساً بشخير موتورات الصهاريج، ووعود أمرائها الكاذبة، بحيث تستطيل ساعة انتظارك لهم إلى ثلاث ساعات أو أربع، فتزداد تراجيدياتك اليومية مأساةً وراء مأساة، وتبدأ حساباتك الجديدة مع بداية فصل الصيف برفقة هذا الدخيل الجديد على مصروفاتك، وعلى راتبك الذي تُداريه كما تُداري الأم الرؤوم طفلها العاجز، وتستغرب طالما أن أمراء الصهاريج الأشاوس يملؤون خزاناتهم كلما أرادوا من المناهل الكثيرة الموزعة في صحنايا، فكيف لا تصل تلك المياه إلى مواطنيها بالسهولة ذاتها، ولماذا لا تُدار شبكة المياه بطريقة صحيحة، سواء من ناحية «فتح السكر» مع وصول التيار الكهربائي وليس خلال انقطاعه، وأن يتم استثمار تلك المناهل الغزيرة بمياهها، بتغذية الشبكة ذاتها، فمن غير المنطقي أن تكون في إحدى بلدات الغوطة التي تتغنى بخضرتها وزيتونها، بينما أنت تعاني من شح الماء فيها، وبدل أن تُطرَب لنغمة الخرير في صنابيرك وخزانك، أصبحت مُضطراً لأن تسمع مقام النكريز المُصاحب للصهاريج فتتنكرز حياتك وتشعر أنك في بادية لا تخوم لها.