الجلاء الأغر من دروس الأجداد ضد المستعمر الفرنسي
لم يكن يوم السابع عشر من نيسان عام 1946، يوم جلاء المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن حدثاً عادياً في حياة سورية فحسب حين دحر الأجداد الأماجد – بتضحياتهم الجسام وجهادهم – آخر جندي فرنسي عن تراب سورية إنما كان نقطة تحول كبير للمنطقة العربية التي ترزح تحت الاستعمار الأوروبي الذي شكلت رأس حربته بريطانيا وفرنسا وشكل بذلك مركزاً لحركات وثورات التحرر العربية من نير الاستعمار وكان استقلال سورية أحد أول الأقطار العربية المتحررة إذ شكلت تضحيات مجاهديها ودماء شهداء الثوار ضد المستعمر الفرنسي دروساً في حبّ الوطن ومقارعة المستعمرين ومنها استمدت العبر في ثورات التحرر العربي على مدى القرن الماضي.
هذا الاستقلال لم يكن لولا التضحيات التي بذلها الشعب السوري ومنذ أن وطأت أقدام الغزاة الفرنسيين أرض سورية وداست ترابها حين نزلت قواتها على الساحل السوري عام 1918 وحينها كان أول تلك الدروس في ثورات المجاهد الشيخ صالح العلي وانتصاراته المتلاحقة على الغزاة وللتوالي تضحيات الشعب السوري في قاسيون ومع دخول غورو دمشق ليتلقى الدرس من تضحيات وزير الحربية السوري يوسف العظمة الذي رفض إنذار غورو المشؤوم وليستشهد مع ثلة من رفاقه في معركة ميسلون مسطراً بذلك ومجسداً قوله ألا تدخل فرنسا دمشق إلّا على جثته.
وتتوالى دروس التضحية لثوار ومجاهدي الثورة السورية الكبرى التي قادها المجاهد الكبير سلطان الأطرش عام 1925 والتي انطلقت شرارتها الأولى من الجبل بتنسيق محكم مع كل المناطق السورية قادها ابن دمشق البار المجاهد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر بالتواصل مع أحرار دمشق: المجاهد حسن الخراط ابن حي الشاغور إلى حمص وحماة فوزي القاوقجي الذي قاد الثورة مع أحرار معرة النعمان إلى دير الزور التي عمد فيها الفرنسيون للتنكيل بعائلة العياش بتهمة التحريض والإعداد للثورة على الفرنسيين إلى الشمال السوري بقيادة المجاهد إبراهيم هنانو إلى الجنوب السوري وثورة المريود والأشمر وغيرهم من المجاهدين الذين لبوا نداء الثورة السورية الكبرى تحت بيان قائدها العام الشهير: «إلى السلاح إلى السلاح أيها السوريون الأماجد فاليوم ينفع المجاهدين جهادهم والمؤمنين إيمانهم » وشعارها: (الدين لله والوطن للجميع).
هكذا كان السوريون صرخة وهبّة رجل واحد في دحر المستعمر الفرنسي الذي نالهم منه ما نالهم من بطش وتنكيل لم يثنهم عن تحقيق الجلاء الأكبر.
والتاريخ اليوم يعيد نفسه وإن غيّر المستعمر ثوبه وغلّفه بشعارات ليبراليته الجديدة يعود ليستعبد الشعوب تحت شعاراتها المزيفة بالحرية والمدنية وادعاءاته بحقوق الإنسان ، يعود حملاً وديعاً بثياب وحشٍ عن الإرهاب التكفيري ليقود أبشع حروب البشرية ضد سورية وشعبها وليثأر من قادة الجلاء العظيم ويصبّ جام حقده وعدوانيته على شعبها الصامد ومحاولة تفتيتها وتقسيمها من جديد إلى دويلات طائفية تحت شعار حقده الأسود «فرّق تسد» ذلك الشعار الذي أحبطه الأجداد الأماجد وأحرار سورية قبل خمسة وسبعين عاماً من عمر الجلاء العظيم، أحبطوه بعقيدة وإيمان راسخ وها هو الشعب السوري اليوم يسطر أروع ملاحم البطولة والفداء ويقدم الدروس والعبر للعالم أن سورية بووحدة ترابها بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها سورية وفية لأرواح شهداء الجلاء العظيم، باقية على العهد لا تفرط بشبرٍ من الأرض مادام فيها مثلث الحكمة المقدس؛ جيش عقائدي وشعب لايستكين وقائد فذّ حكيم السيد الرئيس بشار الأسد يقود سفينتها نحو برّ الأمان يصون حرمة الأرض والعرض ويسطر ملاحم البطولة والفداء لتبقى منيعة شامخة وفية لتضحيات الثورة السورية الكبرى ومجاهديها العظام، وكل عام وسورية بخير وجيشها وقائدها وشعبها بألف خير نحو دحر آخر إرهابي عن ترابها واستعادة كامل أراضيها من الكيان الصهيوني الغاشم «اسرائيل» ومرتزقتها.