اقتصاد المقاومة وسبل محاصرة العقوبات الغربية

بدت المحادثات الثنائية الصينية- الأميركية الأخيرة ذات طعم مختلف. فبكين عبرت عن ماهية النتائج، ووصفت المحادثات بالبناءة، وأنها على استعداد لبذل المزيد من الجهود للوصول لصيغة مشتركة مع واشنطن، وذلك بالتزامن مع جهود الدبلوماسية الصينية لتعزيز حضورها في المناطق الإستراتيجية.

بينما تعتمد واشنطن سياستها العدائية المعهودة تجاه الصين وروسيا وغيرها من القوى العالمية الكبرى، بدءاً من التصعيد في تايوان، وأوكرانيا وصولاً لمناطق مختلفة في آسيا.

وتسعى بكين لتوسيع دائرة تحالفاتها من خلال اتفاقات اقتصادية واسعة النطاق ضمن مشروعها الإستراتيجي “الحزام والطريق”، ومنها ما هو سياسي وعسكري يسهم في تحقيق توازنات إقليمية ودولية، وهذا ما يغيظ ويربك واشنطن.

وتزامنت المحادثات في أنكوراج بولاية آلاسكا، خلال أول اجتماع رسمي لإدارة الرئيس جو بايدن مع الصين، مع إطلاق الوثيقة الأهم بين بكين وطهران والتي تحدثت عنها الكثير من الأوساط الإعلامية والسياسية بأنها خريطة طريق شاملة، متضمنة موضوعات سياسية وإستراتيجية واقتصادية.

تحاول بكين تقديم خطاب يركز على أنها طرف يسعى لحل قضايا شائكة في الشرق الأوسط ، بالإشارة إلى ما تتميز به هذه المنطقة من نسق حضاري وتاريخي مختلف، يهدف للاستقرار والتعاون وإحداث تنمية بشرية حقيقية.

ورشح عن مضامين الاتفاقية الإستراتيجية بين الصين وإيران فكرة اقتصاد المقاومة الذي تبنته طهران في أعقاب العقوبات الغربية، لتتلاقى مع الصين بمضمون الفكرة استناداً لمقولة الزعيم التاريخي سن تسو (جنرال صيني وخبير عسكري وفيلسوف، ذاع صيته بسبب عبقريته العسكرية التي اشتهر بها، وكتب مجموعة من المقالات العسكرية الإستراتيجية، حملت اسم كتاب فن الحرب) بأن “حماية أنفسنا من الهزيمة تكمن في أيدينا، ففرصة هزيمة العدو يوفرها العدو نفسه، لذلك يفرض المقاتل الماهر إرادته، ولا يسمح بفرض إرادة العدو عليه”.

وتتبنى فكرة الاقتصاد المقاوم بمحاولة ابتكار طرق الالتفاف على العقوبات لتقليل الألم الاقتصادي، وإمكانية تحويل ظروف الحصار لفرصة اجتراح الحلول والخطوات لمواءمة موجودات الاقتصاد المحلي للحاجات الضرورية، للوصول لحالة من الاكتفاء الذاتي.

وبينما تحاول واشنطن فرض المزيد من العقوبات، ومراقبة مؤشرات “انهيار” الاقتصاد الإيراني، يراقب القادة الإيرانيون مؤشرات مختلفة تساعد في الخروج من الأزمة باقتصاد أكثر مقاومة، وعصي على العقوبات الأميركية.

وحسب مراقبين فإن الاتفاقية الإيرانية- الصينية ستقلب تماماً المشهد الجيوسياسي السائد في منطقة غرب آسيا الخاضعة لأميركا.

وتكمن المقاومة بالطريقة التي يحاول بها الحلفاء مساعدة بعضهم بمسار التنمية الاقتصادية أولاً، فأي مورد يدر ريعاً كالبنوك والأراضي والموارد الطبيعية، يجب أن يكون في النطاق العام، لتوفير الاحتياجات الأساسية، وبالتالي توفير السلع بأقصى تكلفة مالية، بما في ذلك أسعار الفائدة ورسوم الإدارة، وأرباح الأسهم.

إلى ذلك، فإن ميل الغرب لمعاقبة العالم، يعطي فرصة مهمة للدول للتعاون والتحالف ضمن إطار جيوسياسي مواز للسياسة الاقتصادية العالمية.

فمبادرات الصين ستحرر منطقة غرب آسيا من الهيمنة الغربية، لاسيما أن النهج الصيني يتماشى مع الحاجة لتعزيز الاستقرار، والتحرر من ظلال التنافس بين القوى الكبرى، واستكشاف مسارات التنمية المناسبة لواقعها الإقليمي بشكل مستقل.

وتتبع بكين نهجاً شاملاً وتصالحياً لبناء هيكل أمني يستوعب الاهتمامات المشروعة لجميع الأطراف من خلال التمسك بالمعايير الدولية والعدالة والاحترام المتبادل، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول ومعارضة الغطرسة والتعصب.

وهذا يشجع كافة الدول على التلاقي مع الأفكار الصينية، وأهمية تعزيزها، والبناء عليها في سبيل الوصول لأفضل الطرق للحفاظ على الاستقلال والسيادة، وتسريع مسارات التعاون الإنمائي وتحقيق مجتمعات خالية من العنصرية والتخلف.

عن: إستراتيجيك كالتشر فاونديشن

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار