تنحو العديد من الأطراف الإقليمية والدولية ولاسيما الفاعلة والمؤثرة على المستوى السياسي العالمي والتي تملك قواسم سياسية مشتركة، إلى تمتين علاقاتها وتعزيزها عبر تحالفات واتفاقيات إستراتيجية متعددة المستويات، تدخل في جزء كبير منها لمواجهة محاولات أطراف دولية مضادّة.
إن تتويج الصين وإيران مسار علاقتهما بالتوقيع على وثيقة التعاون الإستراتيجي المشترك والسارية لربع قرن، يرى فيها محللون نقلة نوعية في العلاقات بين الجانبين، وبمثابة خريطة طريق إستراتيجية، إذ إنها ترسم أفقاً واضحاً لتنفيذ شراكة إستراتيجية شاملة، في العديد من المجالات في السياسة والاقتصاد والدفاع والأمن والثقافة والتكنولوجيا والصناعة والنقل والشحن والطاقة.
وعلى ضوء تلاقي طهران- بكين في العديد من الملفات والقضايا الدولية لمواجهة محاولات الهيمنة الأمريكية، يمكن النظر إلى الوثيقة على أنها ترفع سقف التحدي لأمريكا عبر تخطيها لمحاولات واشنطن تطويق الصين وحصارها، وكذلك تحدي الحصار والعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، عبر إيجاد منافذ جديدة للاقتصاد الإيراني المتأثر بالعقوبات، وهي في جوانب أخرى محاولة لكسر هيمنة الدولار الأمريكي باعتماد أنظمة مالية بعيدة عن السيطرة الأمريكية.
ربطاً بالسابق، يرى مراقبون إيرانيون أن وثيقة التعاون -اقتصادية وتجارية- فالصين بحاجة إلى مصادر طاقة غرب آسيا (النفط والغاز) وتعد إيران من الدول المهمة التي تمتلك هذه الثروات، فضلاً عن أهمية موقع إيران في المسار البري لمشروع “الحزام والطريق” الصيني، بدورها تحتاج طهران للاستثمارات الصينية المفيدة لاقتصادها.
وثيقة التعاون تكتسب أهميتها راهناً من أنها قد لا تقتصر على بكين وطهران، بل إن روسيا مرشحة لتنضم إليها، إلى جانب الدفع لتوسيع تحالفات أخرى تكون فنزويلا وكوبا وغيرها من الدول المناهضة للهيمنة الأمريكية في صلبها، فمثل هذه الدول تدرك أهمية التعاون البنّاء والشراكة للنهوض والتطوير على مستوى بلدانها، بالتوازي مع مواجهة أمريكا، كما أنها تشكل عائقاً أمام التغلغل الأمريكي في أوراسيا.
لم تعد المبادرة في يد واشنطن كما السابق، إذ باتت الأطراف الدولية والإقليمية هي من تمتلك المبادرة في المواجهة، مع فارق أن مبادرة تلك الأطراف تأتي لوقف التغول الأمريكي والصراعات والحروب وحرمان الشعوب من مصادر دخلها وخنقها بالحصار والعقوبات.
لا يمكن أن تكون الولايات المتحدة يوماً خارج سياقات اللعبة الدولية هذا ضرب من الخيال، لكن في الوقت ذاته لا يمكن للقوى الدولية مراقبة التسلط والهيمنة الأمريكية دون ردّ فعل، لذلك تبني تلك القوى علاقاتها وتُرسخ على ساحة الأحداث العالمية عالم متعدد الأقطاب لا مكان فيه للتفرّد الأمريكي، فالعالم مُتجه لتحالفات وتكتلات تلغي نمطية التحالفات التي سادت خلال العقود الماضية.