أضحى جلياً حجم النفاق الذي تفرزه مراحل كل فترة رئاسية أميركية، فمع قدوم أي إدارة جديدة للبيت الأبيض، تنطلق مسارات التحالف الداخلية والخارجية، ويبدأ البازار بشعارات خلبية خادعة، لا تصب إلا في مصلحة أقلية حاكمة متحكمة بالثروات والنفوذ.
من قضية العنصرية داخل المجتمع الأميركي إلى قضايا التحرر وحقوق الإنسان في العالم، تتجسد معايير الخطاب الأميركي البعيدة كل البعد عن أرض الواقع، وأساسيات الحكم.
وقبل انتهاء مئة يوم الأولى، أطلق الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن تصريحات نارية متوازية مع سعي المخابرات الأميركية وبيتها الحاكم لإعادة ضبط العلاقة مع مملكة بني سعود في المنطقة، والتي تعد الخزان الأساسي لتعديل خسارات الخزينة والسوق الأميركية.
ويبدو أن الرئيس الجديد لا يعتمد وجود شخصيات لآجال طويلة على رأس الجوقة الأميركية، بل يسعى لتغيير اتجاه ومسار السياسة الأميركية، ورفض العهد السابق، بعيداً عن خطط طويلة المدى، وبالتالي اصطفاف متمايز لجميع الأصوات والأدوات السياسية الإقليمية والدولية الحامية والحاملة لمصالح الحزب الديمقراطي أولاً ومصالح الأقلية الحاكمة ثانياً.
فلم تنس الإدارة الأميركية “الترومبون” (آلة نفخ نحاسية الاسم ترومبون مصدره الإيطالية ويعني بوق كبير) السعودي الذي تديره بشكل نشط، لوضعه في مكانه، حيث أدلى بايدن بتصريحاته حول فرض حظر على بيع الأسلحة الأميركية لمملكة بني سعود، وعن رفضه دعم الرياض في حربها ضد اليمن.
ومن الواضح أن لدى الديمقراطيين خططاً خاصة تجاه بني سعود، إذ تعتزم واشنطن الحد من أي اتصال مباشر بين بايدن وولي العهد محمد بن سلمان؛ وهذا يدل علناً على إنهاء ما يسمى «الحصانة» التي منحتها إدارة ترامب لمملكة بني سعود في العديد من القضايا، بما في ذلك حقوق الإنسان والحرب على اليمن.
إلى ذلك، يريد البيت الأبيض ربط صفقات الأسلحة، بالحاجة لتطوير مفهوم العلاقة مع الخليج عموماً، وستشهد هذه الإستراتيجية تطوير العلاقة مع باقي دول المنطقة.
إذ إنه وبعيداً عن منهج السياسة الأميركية الرعناء، يأمل الشعب الأميركي أن تعطي سياسة أميركا بشراكاتها مع مملكة بني سعود أولوية لسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
لكن وكما هو واضح، فإن إعادة ضبط هذه العلاقات ليس أكثر من محاولة الجلد العلني للعملاء والأدوات غير الخاضعة للسيطرة الأميركية الكاملة، والدخول في إطار الابتزاز الأميركي المتعارف عليه.
لكن التصعيد الأميركي تجاه بني سعود محدود تجنباً للقطيعة، حيث تحاول واشنطن مناقشة نقاط افتراضية ووهمية بخصوص قضايا حقوق الإنسان وتحرر المرأة، وبالتالي السعي لإظهار صورة بايدن «الإنسانية والأخلاقية» من جهة، ومحاولة تعديل سلوك محمد بن سلمان من جهة أخرى، بما يتلاءم مع المسار الأميركي القادم.
إلى جانب الاعتراف أن «العلاقة التابعة» بين الأميركي وبني سعود، لن تكون بمستوى القوة نفسه الذي كانت عليه في عهد ترامب، إلا أنها لن تتوتر أو تدخل دائرة التأزيم، وذلك تبعاً للمصالح المشتركة بينهما.
وبعد استشعار رياح جديدة من واشنطن، انضم نشطاء حقوقيون سعوديون آخرون فعلياً لحملة ضد سياسات ولي عهد بني سعود، فخطوة إدارة بايدن بتقديم تقرير المخابرات المركزية للكونغرس حول ملابسات مقتل الصحفي جمال خاشقجي، تتناسب مع مسار «إعادة الضبط» الذي بدأته جوقة الإمبرياليين وصقور البيت الأبيض، وذلك الدخول في مرحلة جديدة متحولة تتناسب مع تحولات عالمية واسعة النطاق. وبالتالي الحصول على مزيد من التنازلات والامتيازات الخليجية، فهذا الابتزاز الأميركي للسعودية ليس إلا تلميحاً لباقي الأدوات الخليجية بضرورة الاستعداد للدخول بالسيناريو نفسه في حال اقتضت ضرورات السياسة والمصلحة الغربية.
عن «نيو إيسترن آوت لوك»