هبة فاهمة على مسرح الدراما…إطلالة خجولة بصوتٍ أوبرالي!
أطلّت هبة فاهمة في حفلتها الكاملة الأولى بعد تخرّجها في المعهد العالي للموسيقا, وليس كمغنيّة «سولو» ضمن إحدى الفرق إطلالةً خجولة وهادئة على خشبة مسرح الدراما في دار الأوبرا بدمشق، مُحاوِلةً – حسب قولها الذي خصّتنا به – أنْ تصنعَ عالمَها الروحي بالموسيقا التي تأخذنا إلى عوالم نحلمُ أن نكون فيها بعيداً عن عذاب يوميّاتنا.
بدايةُ الأمسية كانت مع قالب موسيقي يُسمى «شرف بوسليك» إذْ درجت العادة على أن تكون البداية قطعة موسيقية تُمهّدُ الأجواء, وتُهيىء الحاضرين والمطرب للدخول تالياً وصعوداً نحو الطرب الأثقل أو نحو المقطوعات الأكثر رصانة.
لكن التصرّف أو الاجتهاد في توزيع لحنْ أغنية «طريق النحل» عِبر ما عزفه الكمانُ بمصاحبة البيانو لم يكن موفقّاً أبداً لأن الرحابنة كانوا في كل أغنية من أغانيهم يبنون كلَّ نوتةٍ موسيقية برصانة مطلقة كما لو أنها هكذا خُلقت أو هكذا «انوجَدتْ» في أثير هذا الكون، وأنّ أيَّ تغييرٍ لاحق سيترك صدْعاً قاسياً في جسم اللحن/التحفة، بل في تلقّي الناس لها، وهذا ما حصل يوماً حتى مع زياد الرحباني – الأكثر قدرة أو الأحقّ ربما – بإعادة توزيع بعض أغاني الأخوين رحباني ليُدخِلَ عليها «مِزاجَه» الموسيقي أو لمسةَ الحداثة الموسيقية في استخدام الآلات الغربية وهي تقول النغمَ الشرقي فأثار يومها, وإلى الآن، آراءً متناقضة بين من استعذب توزيعه ومَن انتقده لِفعلته!.
ولعلّ هذا «التحديث» الموسيقي في حفلة فاهمة بدا أكثر تناغماً وجمالاً حين تحاور كل من الغيتار والكمان, وهما يتهاديان على وسادة من تشيلّلو بنغماتٍ مزجت بين حزنٍ وتأمّلٍ ينسجه الغيتار في أمسيات العاشقين.. إلا أنه أيضاً كان اجتهاداً مفارقاً للفكرة الجوهرية وخطّ اللحن الأساس في «بيني وبينك يا هالليل», (ألحان إلياس الرحباني), و«خدني معك»,(ألحان روميو لحّود) اللتين دمجت بينهما فاهمة في توليفةٍ واحدة.
كما قلّلَ الوجهُ المبتسم للمغنيّة على طول الأمسية من قيمةِ الوجْد وحرارة المشاعر المعجونة في أغنية «فاتت سنة» التي بدتْ في أضعف مراحل أدائها، بل كانت مُقحمة على برنامج الحفلة أو مِثل نوتة نافرة كأنّ المُغنيّة لم تتخلّص من خجلها ورهبة المسرح فاستمرت باللجوء إلى الابتسامة كوسيلة حماية لتخبّئ خلفها ارتباكَها، فيما زادتْ طريقتُها في اللّفظ ونُطق الأحرف من هذه الهشاشة لأن الكلمات بدتْ تتخامد وتخبو في آخر كل جملة تنطقها.
لكن فاهمة تتميز في «الميوزيكاليتي» الخاص بها أو في أن صوتَها يمتلكُ نكهة النّفَس الأوبّرالي الذي بدا واضحاً في انطلاقها بتأدية المساحات النغمية التي لا تحتاج إلى التركيز على مضمون الكلام, والذي يُنسي المطربَ عادةً التركيزَ على مضمون النغّمات وشكلها وتموّجاتها, وهو ما أجادته حين انطلقت بتأدية «وحياتي عندك» للراحلة ذكرى مع صعوبة الأغنية وطبقاتها العالية الحادة، أو في أدائها «اسمعْ قلبي وشوف دقّاتو» لماجدة الرومي بلحنها الراقص وإيقاعاتها الفرحة أو حين برعت في غناء وصلات غنائية من التراث السوري كانت الأنسب إلى خامة صوتها برغم التشويش الذي انتابنا من الفواصل الموسيقية بين تلك المقاطع إذ كان اللحنُ يذكّرنا بقدٍّ حلبيّ ما أو بـ«طقطوقة» شامية معروفة, وشائعة ثم نُفاجأ بأن الكلام أو الأغنية المؤدّاة هي غير ذلك إنما مبنية فقط على اللحن أو القالب الموسيقي ذاته.
برنامجُ الأمسية شملَ أغنياتٍ أخرى مثل «نقيلك أحلى زهرة» و«يمرُّ عجباً» و«خايف أقول اللي في قلبي» ومقطوعة «لونغا» من مقام النهوند, (ألحان وتوزيع عازف العود السوري كنان ادناوي)… أغنياتٍ اختارتها فاهمة كما أخبرتنا: لأنها متنوعة فيها الطربي وفيها الخفيف والتراث السوري والموشح والموسيقا الآلية ومعظمها قريبة من قلبنا نحفظها منذ طفولتنا.