يواصل نظام أردوغان -بعدما خيل له أنه سلطان جديد يطارد حلم إحياء السلطنة- اقتفاء أثر أجداده بسياسة التتريك، وتطبيقها على المناطق التي يحتلها وميليشياته الإرهابية ليس في سورية فحسب بل وصل ذلك إلى ليبيا.
سياسة دأب على السير عليها نظام حزب العدالة والتنمية في المناطق التي احتلها مباشرة أو يحكمها من قبل ميليشيات تابعة له في الشمال السوري، حيث لم يتوانَ عن تغيير معالمها وصبغها بالصبغة التركية وإحداث تغييرات ديمغرافية كبيرة فيها.
فتم فرض التعامل فيها بالليرة التركية بدلاً من الليرة السورية، ورفع العلم التركي فوق ساحاتها وميادينها وأبنية مؤسساتها العامة، وغيّر المناهج المدرسية وأسماء البلدات من العربية إلى التركية، هذا فضلاً عن سرقة الآثار والتراث.
أحدث فصول الجريمة التركية المتواصلة، كان إعلان أنقرة، قبل أيام، أن كلية الطب والمعهد الصحي العام في مدينة الراعي السورية، (كان أردوغان قد أصدر مرسوماً بإنشائهما في شباط الماضي)، ستفتح أبوابها أمام الطلبة، في السادس عشر من شهر آذار الجاري.
وجاء الإعلان على لسان رئيس جامعة العلوم الصحية في إسطنبول “جودت أرول”، في ظل استمرار تركيا في سياستها بتتريك المناطق التي تحتلها في شمال غربي سورية.
وحسب مصادر محلية فإن الكلية جاهزة لاستقبال الطلبة، حيث تم قبول ما يقارب 800 طلب للانضمام من طلاب ريفي حلب وإدلب.
وأشارت المصادر إلى أنه تم حجز مقاعد في الكلية والمعهد بعد “مفاضلات وتقييمات” للطلبة في 12 آذار الجاري، خولتهم لدخول الكلية والمعهد. وذكرت أن الطلاب المقبولين في الكلية خضعوا إلى امتحان كتابي وشفوي لتحديد مستوى اللغة التركية لكل طالب، وفي حال نجاح الاختبار في اللغة سيتم المباشرة بالدراسة ضمن الكلية.
هذه الخطوة التي تندرج في مجال التتريك رأى فيها سكان محليون أنها تأتي على جناح السرعة في سباق محموم من جانب أنقرة، لترسيخ أمر واقع في المنطقة.
علاوة على ذلك فإن هذه الخطوة وكل ما سبقها في السياق نفسه تنتهك بوضوح كل القرارات والأعراف الدولية فأردوغان يجاهد لإيجاد مدخل لـ”العثمنة الجديدة” وإحياء سلطنة بائدة تملأ مظالمها وظلماتها ذاكرة الناس وكتب التاريخ، مستخدماً تنظيم “الإخوان المسلمين” وكل نتاجاته الإرهابية المتشددة والتكفيرية، كرأس حربة لمشروعه.
يذكر أن تجهيز كلية الطب والمعهد الصحي العام التابعين لجامعة العلوم الصحية التركية، استغرق 40 يوماً، من تاريخ صدور قرار إنشائها.
ففي الخامس من شباط الماضي، أصدر رئيس النظام التركي، مرسوماً يقضي بافتتاح كلية للطب ومعهد صحي في بلدة الراعي.
تصريحات أردوغان، وحديثه عن أنّه يطمح إلى إحياء إرث أجداده، ورغبته بالعودة إلى الأراضي التي كانت ملك أسلافه، ويقصد طبعاً الأرضي العربية، واضحة فهو لا يخفي ذلك ويتم تنفيذه اعتماداً على تنظيمات سياسية متطرفة لا تخفي ولاءها «للباب العالي».
ما يقوم به أردوغان في سورية يحاول نقله إلى ليبيا، التي أغرقها بالمرتزقة من كل حدب وصوب، للاستيلاء على ثرواتها وترحيلها إلى مركز “الخلافة” في أنقرة وإسطنبول. ليس هذا فحسب بل جهزت حكومة أردوغان خطة متكاملة لتأهيل مدرسين ليبيين لتعليم اللغة التركية في المدارس، وإيفاد مدرسين أتراك لنشر الثقافة التركية وإعداد جيل يدين بالولاء “للسلطان”، وبالتالي سلخ الأجيال عن عمقها العربي وثقافتها ومحيطها الحيوي.
لقد وجد أردوغان في الأحداث التي اندلعت في المنطقة الفرصة التي لا يمكن إهدارها، لاستباق الزمن،. فدخل في هذه الأزمات من أوسع الأبواب، من التدخل المباشر مروراً بدعم الإرهابيين وتسهيل عبورهم أو من خلال تقديم «مساعدات» وصولاً إلى محاولات الهيمنة الاقتصادية والثقافية عبر التتريك والتغيير الديمغرافي.
الخطوات التركية للتريك وتغيير النظام التربوي والقضائي والديمغرافي السوري تتوالى، ويمكن القول إن الأتراك اكتسبوا خبرات في ممارسة اللعب على المتغيرات الدولية واستغلال الوقت، فكما استفادوا من دعم السوفييت في الحروب السابقة التي خاضوها ضد الحلفاء في عشرينيات القرن الماضي ثم عادوا وابتزوا الحلفاء قبل الحرب العالمية الثانية بالتهديد بالانضمام لدول المحور بين الحربين العالميتين كذلك هم يتراقصون اليوم على حبال التجاذبات الروسية الأمريكية وفي الوقت نفسه ماضون في التتريك أو سرطنة المناطق التي يحتلونها وهذا خطر كبير يجب الانتباه له واجتثاثه قبل فوات الأوان..