يعيش النظام التركي عزلة دبلوماسية جراء سياساته، ما جعله مستبعداً عن الاتفاقات بين دول الجوار بشأن اكتشافات الغاز الطبيعي شرق المتوسط، لذلك يسعى جاهداً لكسر هذه العزلة؛ حيث أعلنت بلاده الأسبوع الماضي استئناف “الاتصالات الدبلوماسية” مع القاهرة للمرة الأولى منذ قطعها في عام ٢٠١٣ بهدف تهدئة وإصلاح العلاقات المنقطعة.
على ضوء ما رشح عن أنقرة، وبصرف النظر عن صدقه من عدمه، السؤال المهم في هذه المرحلة هل تستطيع أنقرة تهيئة الأرضية المناسبة لفتح الحوار مع القاهرة والمضي قدماً نحو علاقات جيدة والكف عن تدخل تركيا في الشؤون الداخلية لمصر..؟
يبدو أن هذه الأرضية لم تكن واضحة في حديث المسؤولين الأتراك، لأن المصريين لديهم رؤية حول تطوير العلاقات مع تركيا، تتمثل في عدم توفيرها منصات إعلامية تبث برامجها لتشويه الأوضاع في مصر، ومن الضرورة بمكان أن يكون هناك تقدم في هذه الملفات لإثبات النيات الحسنة تمهيداً لاستعادة كامل العلاقات مع مصر.
في حين اعتبر دبلوماسيون ومراقبون أن القاهرة تنتظر المزيد من “الأفعال” على الأرض، لاستعادة كامل الروابط مع أنقرة، بعد رغبة الأخيرة في فتح حوار حول هذه الأزمات.
وكانت التصريحات الصادرة عن حزب العدالة والتنمية التركي التي تتحدث عن “العمل على تطوير الديمقراطية في مصر”، أثارت انزعاجاً لدى المصريين وهذا ما ألمح إليه وزير الخارجية سامح شكري خلال اجتماع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب قائلاً: إن “الوضع السياسي والمواقف لبعض الساسة الأتراك كانت سلبية ولكنها لا تؤثر على العلاقات بين الشعبين”.
وكان شكري قد صرح الأحد الماضي حول رسائل أنقرة الغزلية قائلاً: “الأقوال وحدها لا تكفي” لتطوير العلاقات بين مصر وتركيا، مضيفاً: “لو وجدنا تغيراً في السياسة والمنهج والأهداف التركية لتتوافق مع السياسات المصرية ومع ما يعيد العلاقات الطبيعية لمصلحة المنطقة، من الممكن أن تكون هذه أرضية لاستعادة الأوضاع الطبيعية”.
وتريد تركيا فتح حوار مع مصر بشأن العلاقات بين البلدين خاصة المنطقة الاقتصادية في شرق المتوسط، وهذا ما ورد على لسان عدد من المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم وزير الخارجية ثم وزير الدفاع ثم المتحدث باسم الرئاسة، انتهاءً برئيس النظام نفسه.
ويرى مراقبون أن هناك شعوراً لدى نظام الحكم في تركيا بالعزلة بعد إنشاء منتدى غاز المتوسط من كل الدول المطلة على شرق المتوسط، لذا لجأ إلى إعادة تقييم سياسته الخارجية التي انتقلت من “صفر مشاكل”، إلى أزمات جمّة مع كل الجيران، ويبدو أن الموقف التركي يحتاج إلى مزيد من الوضوح، واتخاذ خطوات عملية تبرهن على صدق نياته بشأن عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مصر، واتخاذ إجراءات حاسمة في هذه الملفات.
ويعتبر الملف الليبي من أكثر الملفات خلافاً بين البلدين لذلك تعتبره مصر تحدياً أمنياً لها، فالموقف التركي مما يجري في ليبيا، والتدخل الفظ، وإرسال المرتزقة، وعدم الحديث عن النية لسحب الميلشيات أو المرتزقة، وسط معلومات تؤكد أن النظام التركي لا يزال يدعم الجماعات المتطرفة في غرب ليبيا، ومناطق الساحل والصحراء.
ملفات كثيرة خلافية بين البلدين إلا أن الملف الأبرز في الخلاف هو موقف أعضاء تنظيم الإخوان المتواجدين على الأراضي التركية، إضافة إلى المنابر الإعلامية التي لا تزال تبث السموم على الدولة المصرية من الأراضي التركية الأمر الذي سيشكل اختباراً حقيقيا للنيات التركية، فإذا ما أغلقت أنقرة هذه المنابر فقد يشكل عنواناً للتحول التركي تجاه علاقة طبيعية مع مصر.